وهم كبير ذلك الذي عاشه الإنسان العربي طيلة أزمنة مضت خُدع فيها بالشعارات، والوعود، وحلم إنتاج المعرفة، والتنوير، والثقافة، والمبادئ والقيم العليا، وتأصيل مفاهيم العروبة، والقومية، والتراب، والوطن، والعمل بجهد واحد كورثة لتاريخ الأمة العربية، نعيد بعث مجدها على أسس عقلانية، ومفاهيم تستشرف مستقبلاتها، كمؤثرة، ومتأثرة، ونضيف لتاريخها ومنجزها الحضاري والفكري إضافات نؤصل من خلالها الوجه المشرق والمغني، ونتجاوز محطات، ومفاهيم التخلف الذهني، والفكري، والمسلكي، والمعرفي. سقطت كل تلك الأحلام، وصحونا على حقيقة أن التخلف، والجهل، والهمجية سلوك يدخل في جينات تكوين بعض الإنسان العربي، وفيروس قاتل يعيش في نسغه، ورغم كل التنوير، وتوفر المعرفة، وكل منجزات العقل البشري في هذا الكون الواسع، إلا أن أحفاد الغفاري وعمر وعلي لا يزالون في داخل عقل حاقد، يعيش على اجترار حسابات التاريخ بكل أخطائه، وخطاياه، وويلاته.. ويعملون على توظيفها لتصفية إرث من الحقد، والكره، والعصبية، والمذهبية، كنا نعتقد أننا طوينا صفحته، وتمكّنا من تجاوزه، وتركناه وراءنا بكل سلبياته، وكل مآسيه. عندما خرج خليل حاوي الشاعر التموزي إلى شرفة منزله في عين الرمانة عام 82، وشاهد الجنود الإسرائيليين يستبيحون تراب عاصمة التنوير، وأول أبجدية في التاريخ، عاد إلى غرفته وأخذ بندقية الصيد التي يملكها وخرج إلى الشرفة ذاتها وأطلق النار على نفسه. لم يحتمل شاعر "نهر الرماد" أن يرى الجنود الإسرائيليين وهم يستبيحون بيروت، فكان فعل الانتحار فعلاً فلسفياً رافضاً ومحتجاً، فتراب الوطن العربي هو تكوين وجودنا، وحياتنا، ومعنى أن نكون، وأن نعيش، وأن نمارس الحياة.. الآن.. وبعد ما حدث في بيروت، وطرابلس، والبقاع، وأماكن كثيرة من جغرافيا "سنّة" لبنان "أتألم جداً لاستخدامي هذا المصطلح".. وبعد ما نقلته لنا الفضائيات العربية من عبث، وتهديد، وإذلال.. وإجرام بحيث تطلق النار على مشيعي جنازة شهيد، ويسقط في التشييع أكثر من قتيل.. بعد هذا ماذا بقي لنا من عقل..!؟ هل نقتفي سلوك حاوي..!!؟ كنا نعتقد أن أحفاد الأوائل من هذه الأمة هم أخوة في الدين، والدم، والهمّ، واللغة، والانتماء، والهمّ العروبي فإذا بحقد التاريخ يتحرك.. رحم الله الغفاري..!؟