قبل ثلاثة أسابيع تقريبا كتبت عن الاقتصاد الرأسمالي وأن هذا النظام الاقتصادي ليس الأفضل للبشرية ويؤيد هذا الكلام فشل الرأسمالية حتى الآن في تحقيق حياة كريمة للشعوب قاطبة حول العالم وتحقيق الأمن الغذائي والصحي والتعليمي، ولا زلنا وحتى هذا اليوم نعاني من انحصار الثروات في أيدي طبقة محدودة ومعدودة وقلة قليلة هدفها زيادة الثراء بأي وسيلة. المراقب لوقع اليوم يدرك تماما تلك الحقيقة وأن الحياة في الغالب أصبحت كالهرم المقلوب بحيث تتراكم الثروات في أسفله لقلة من الناس بينما تعاني الغالبية في أعلى ذلك الهرم المقلوب من واقع اليوم بالرغم من وفرة الموارد وتعددها ولكنها للأسف ذهبت في طريق مخالف لهم. في القطاع الخاص على سبيل المثال ليس فقط ملاك الشركات وأصحاب المؤسسات هم من تتراكم الثروات في أيديهم ولكن هناك المدراء وأصحاب المناصب العليا في الشركات يتقاضون رواتب عالية وأرقاماً خيالية لو ذكرت لبعض صغار الموظفين لكذب الخبر على أنه مزحة أو طرفة عابرة ولكنها حقيقة وواقع نشاهده. نحن نعلم وعلى يقين أنه من سنن الله في الأرض التفاوت في الأرزاق والأقوات كما جاء في القرآن الكريم ولكن لا يكون ذلك مدعاة لخلق نقص في جوانب الحياة العديدة الصحية والتعليمية للغالبية التي أصبحت تكابد لقمة العيش من جهة وتعاني أساليب الحياة من جهة أخرى. إن التضخم الذي نعيشه الآن يعتبر حالة صحية في الاقتصاد عند الاقتصاديين بشكل عام لأن التضخم يأتي مع الاقتصاد النامي ولكن لتلك الإيجابية سلبيات عديدة في مقدمتها عدم قدرة الطبقة الأقل دخلاً من العيش بسلام وتصبح تلك الطبقة أسيرة في أيادي البنوك والشركات والمؤسسات وتتفاقم المديونيات بشكل يثقل كاهل المواطن البسيط. إن ارتفاع أسعار النفط إلى ما فوق 120دولارا للبرميل وانخفاض قيمة الدولار وبالتالي انخفاض الريال السعودي بالتبعية وكان من نتائج ذلك غلاء في المعيشة وبالأخص في المواد الغذائية والسكن يزيد المشكلة تعقيداً وتنشأ طبقتان من طبقات المجتمع، الأولى تستفيد من ذلك وهم غالبية الشركات والمؤسسات والتجار والثانية وهم الغالبية من المواطنين الذين يضطرون إجبارياً لتسديد تلك الفواتير لمن قام بإصدارها وهم التجار والبنوك والشركات وغيرهم من المؤسسات وتزداد المشاكل تعقيداً وندور في حلقة فارغة وهكذا. عندما نرى ذلك ونشاهد بعض كبار موظفي القطاع الخاص من جهة وبعض حديثي التخرج من الجامعات السعودية ومنهم حملة الماجستير من جهة أخرى ولا يجدون وظائف ونشاهد البطالة والتي اعتبرها أفه اجتماعية قبل أن تكون أفه اقتصادية يدور في الذهن البحث عن الحلول السريعة والتي من الممكن أن تساهم في تخفيف المشاكل الاجتماعية والاقتصادية معاً، ومن بين تلك الحلول صرف إعانات حكومية مؤقتة للعاطلين عن العمل بشرط مساعدتهم في إيجاد الوظيفة المناسبة لإمكانيتهم وكفآتهم ومن ثم توقف تلك الإعانات بعد فترة زمنية معينة ومعلومة كما يحدث في بريطانيا مثلاً لكي لا تكون تلك الإعانة مدعاة للاتكال والكسل وعدم البحث عن الوظيفة. قد يكون من أفضل الحلول في تفادي تلك السلبيات الآنفة الذكر، هو تأمين السكن للمواطنين من خلال برامج حكومية مدروسة بالتعاون مع القطاع الخاص من خلال تطوير سوق الرهن العقاري بشكل مختلف، حيث تقوم الحكومة بالمساهمة بالأرض والقطاع الخاص يقوم بتطويرها وبيعها بأسعار متوسطة ومنخفضة تكون على أقساط ميسرة، ويتم تخصيص المساكن لذوي الدخل المحدود جدا ووفقاً لشروط معينة. إن ارتفاع البترول بشكل كبير ووجود فائض في الميزانية خلال الفترة الماضية والفترة القادمة وكما هو متوقع يجب أن يستغل الاستغلال الأمثل ليس فقط في إنشاء البنية التحتية والمشاريع العملاقة ولكن من خلال الاستثمار في العقول وإنشاء بيئة خصبة للمعرفة وتأمين المستقبل للأجيال القادمة، ولا يوجد أدنى شك أن الحكومة ممثلة في خادم الحرمين حفظه الله تسعى لذلك وبوسائل عدة ولكن يبقى دور الجميع في المساهمة في ذلك حيث يؤدي كل منا دوره في الحياة من مؤسسات حكومية وشركات القطاع الخاص والبنوك وجميع المنظمات بدون استثناء وأن لا يكون الهدف هو تراكم الثروات من أجل الثروات فقط ولكن من أجل بذل الخيرات في جميع المجالات ولن يتم ذلك إلا بإخلاص العمل لله ثم لهذا الوطن الغالي علينا جميعاً. @ رجل أعمال وأستاذ الإدارة والاقتصاد وعضو جمعية الاقتصاد السعودية