لا اعرف في قاموس الدارجة اسما غير "الكباريه" يصلح وصفا لمواقع عربيّة الكترونيّة غير قليلة قرّر مصمّموها أن يستهلكوا نصف صفحة الموقع الرئيسة لعرض صور الكترونيّة لفتيات فاتنات وهن يغمزن أو يتمايلن رقصا ولبسا داعرا. والمؤلم حين تجد بين هذه المواقع من يحاول اجتذاب قطعان المراهقين الكبار والصغار إلى أقسام موقعه من خلال لوحات "فلاشيّة" برّاقة الألوان تدعو بشعارات خبيثة كل من رآها للغزل المكشوف والدردشة الحرّة بين الجنسين بعبارات (تتبدّل لفظا) (ولا تتغير معنى) حشوها إيحاءات اقل ما يقال عنها أنها بذيئة. اعلم كما تعلمون أن الحديث عن الِقيَم بات "مملا سمجا" في زمن تسليع القيم ومغريات شراء الهوى وبيع الهويّة. ولا شك أن انحدار المعاني السامية وتدهور المروءة الإنسانيّة سيؤدي إلى كثير من هذه المظاهر جراء ما آل إليه طغيان النزعة الماديّة على مناحي الحياة، ونتيجة للغلو في تقديس الحريات الفرديّة حد الضرر والضرار. كثيرون قد يقولون أن هذه المواقع لا تختلف في كثير من أساليبها عمّا تتّسم به عروض الشوارع الخلفيّة المظلمة في المدن الكبرى في الغرب والشرق التي تتنافس "بنات الليل" على نواصيها ومن ورائهن "أولاد شوارع" يظهرون من الشقوق المظلمة لعرض كل أصناف الحرام الديني والاجتماعي والنظامي. ولكن مما يزيد المراقب حيرة أن كثيرا من هذه المواقع - التي غالبا ما يكون جُلّ روادها ومشرفيها من شبابنا- هو عدم فهم سر إتباع مشرفيها لأساليب ترويج وجذب لا أخلاقيّة كهذه مع أنهم في واقع الأمر لا يحققون مكاسب ماديّة ولا يسعون لها. والأعجب حين تجد وسط فوضى المبادئ هذه من يضع قسما من أقسام المنتدى أو الموقع تحت اسم إسلامي لا يمكن أن يستقيم غرضه ومحتواه مع ما قبله أو بعده من أقسام عمادها الشهوة والابتذال. وحين تتأمل الصور المعروضة لإغراء الزوار بالتوغل في مجاهل غرف الدردشة الصوتيّة والمنتديات النصيّة الحواريّة تأسف أن حوّل بعض شبابنا "النقاب" أو "البرقع" "والحجاب" إلى وسائل جذب رخيصة من خلال التلاعب بالصور والعيون والشعر وجعل هذه الملابس التي هي في أصلها علامات احتشام تظهر على أجساد وقحة لتكرّس مع توالي الأيام صورا نمطيّة غير أخلاقيّة للحجاب الشرعي خاصة وأن شبكة الانترنت مكتبة العالم ومعرض الثقافات والحضارات. لا شك أن الانترنت ستظل وسيلة عصيّة على الرقابة ولهذا لا جواب لمن قد يستفهم مستنكرا سؤالنا عن مدى قدرتنا على ضبط الشبكة العالميّة ونحن لا نملكها، فيما نحن عاجزون تماما عن مراعاة أخلاقيّات المهنة وصيانة مكارم الأخلاق التي حض عليها الدين ورعتها القيم على قنوات "عربسات" "ونايلسات" التي سمحت لكباريهات فضائيّة أن تقتحم المنازل العربيّة ليل نهار دون مراعاة المحتوى البذيء لأوقات البث وتأثير ذلك على سلوك واتجاهات لأطفال والمراهقين. وقد يصيح بنا أب حائر والحال هذه ليضرب مثلا ويقول: لا تثريب على الانترنت وأهلها (الغرباء) مادامت "أقمارنا العربيّة الرسميّة " تسمح بعروض كباريهات فضائيّة مثل ملهى قناة ( غنوة) الذي لا يكف صباح مساء عن (تكشيف) كتل اللحم الرخيص لبنات " عرب الشمال" تحت هتافات وقصف SMS "عرب الجنوب" وهتافات شباب الشرق والغرب العربي في صور تأنف منها حتى أحط المواخير في أقذر أحياء أكثر البلدان عوزا. إذا لم تكن هذه كباريهات الكترونيّة فماذا تكون؟ مسارات قال لحائر ومضى: أنصت جيدا - يا صاحبي- فصوت (العقل) أصدق من نداء (العاطفة).