تعد شبكة الإنترنت أعظم إنجاز بشري في مجال الاتصال خلال القرن العشرين، وبالرغم من فوائدها الكبيرة التي استفادت منها البشرية فقد أصبحت أيضاً نقمة على الأجيال، وخاصة على جيل المراهقين والشباب، حيث أهملوا الاستخدامات النافعة والمفيدة، وبحثوا عن كل ما هو مدمر فأصبحوا أسرى لتلك الشبكة بما تحتويه من مخاطر قد تقودهم إلى الهاوية، خاصة في ظل غياب التربية الدينية، ووجود وقت الفراغ، وغياب رقابة الأسرة، وعدم إدراك خطورتها. و» الشات» أو غرف المحادثة هو أحد برامج شبكة الانترنت، يتيح للفرد دون أن يغادر مكانه، أن يتحدث مع آخرين في مختلف بلدان العالم، دون رقابة أو حدود، حيث كل شيء مباح. وللأسف الشديد فإن الراصد لغرف الدردشة التي يعد 90% من روادها من الشباب يجد أن قليل من محادثات الشباب في هذه الغرف يدور حول التلاقح والتبادل الثقافي النافع ، والكثير منها يغرق في بحور الشهوات الإلكترونية. «الرسالة» رصدت جوانب هذه القضية وكيفية حماية الأجيال المسلمة من مخاطرها. الغزو الفكري بداية تقول الدكتورة عزة كريم الخبير بالمركز القوم للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة: التكنولوجيا سلاح ذو حدين، والمؤسف أن يترك الشباب العربي والمسلم وخاصة جيل المراهقين الاستخدامات النافعة والمفيدة لشبكة الإنترنت، ويبحثوا عن كل ما هو هدام، ولقد أًَسرت هذه الشبكة وغرف الدردشة خاصة أولادنا بما تحتويه من مخاطر قد تقودهم إلى الهاوية، بعدما أصبح الإنترنت هو شغلهم الشاغل، ومتعتهم قبل كل شيء، مما يجعلهم عرضة لغزو فكرى هائل ومؤثر من أجل تغيير شخصيتهم الإسلامية، بإرسال الصور الخليعة، وبرامج المحادثات الفاسدة، والدعوة إلى الفجور، من خلال إقامتهم علاقات مع أشخاص لا يعرفونهم، يتبادلون معهم الصور والرسائل، وقد يصل الأمر إلى أخطر من ذلك، فهناك من الشباب من يمتلك أجهزة كمبيوتر في منازلهم، مزودة بالكاميرات والميكروفونات، حيث تظهر المشاهد غير اللائقة عبر تلك الوسائل في غياب التربية الدينية، ووجود وقت الفراغ، وغياب رقابة الأسرة، وعدم إدراكها خطورة الإنترنت على أبنائها خاصة في فترة المراهقة،مرجعة أسباب ذلك إلى غياب الوعي، وعدم الإحساس بالمسؤولية، وضعف رقابة الأبوين، ومصاحبة أصدقاء السوء، وكذلك ضعف الوازع الديني، بالإضافة إلى الفراغ القاتل ليس في الوقت فقط، بل في الفكر والروح أيضاً. كوارث الدردشة وتؤكد الدكتورة فائزة يوسف العميد الأسبق لمعهد دراسات الطفولة بجامعة عين شمس أن الراصد لتلك الغرف والمتابع لما يكتب فيها وسماع ما يدور، ومشاهدة ما يتم عرضه لا يجد إنسانا حكيما أو لديه قدر من التعقل أو المستوى الديني أو العلمي، وتقول: كلهم شباب ومراهقين، لديهم استفسارات دينية ورغبات جنسية مكبوتة, يقومون بإخراجها عن طريق المحادثة مع أشخاص غرباء، لا يخجلون من الحديث معهم، فهم لا يعرفونهم، وهناك أسئلة تدور بداخل كثير من هؤلاء الشباب تتعلق بأمور عقائدية يعتقدون أنها غير منطقية، ويخشون توجيهها لمن حولهم، سواء في إطار الأسرة أو الأصدقاء حتى لا يتهموا بالكفر، مما يجعل هذه الغرف محفزاً نفسياً لهؤلاء الشباب لأنهم يتجاذبون فيها أطراف الحديث دون خوف فكل منهم لا يعرف الأخر وقد يكون كل واحد في بلد مختلف. وللأسف الشديد فإنه داخل هذه الغرف قد لا تتردد الفتاة أو الفتى في عرض أجسادهم عارية تماماً، عبر الكاميرات الموجودة مع أجهزة الكمبيوتر، في غياب الوازع الديني، والرقابة الذاتية، وغفلة الوالدين. وترى يوسف أن مواجهة أخطار شبكة الإنترنت تحتاج إلى تكاتف الجميع، والبداية تكون من خلال نشر الوعي الديني، وتبصير الناس بخطورة غرف الدردشة، وأهمية أن يحرص كل مسلم على مراقبة الله في السر والعلن، والعمل على شغل أوقات الفراغ حتى لا يكون لديه متسع لمثل هذا العبث، مشددة على أهمية إنشاء مواقع للمناقشة الدينية السليمة، التي تتسم بسعة الصدر للإجابة عن كل الاستفسارات الدينية والجنسية, حتى لا يلجأ شبابنا إلى غرف خبيثة تجذبه إلي طريق الضياع والهلاك. حروب التخريب من جانبه يستنكر الدكتور عبد الدائم نصير نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق ترك الشباب المسلم فريسة لغرف الدردشة، وكل ما من شأنه أن يشكل خطرا حقيقيا علي شبابنا وقيمهم وعقائدهم ومستقبلهم، ويقول: القضية خطيرة وتحتاج إلي وقفه حقيقية، فهي حرب لا تقل خطورة أو شراسة وضراوة عن كل الحروب التي تعرضت لها الأمة الإسلامية، فالحرب مع العدو الظاهر أمر مألوف ويمكن التصدي له، لكن هذه الحرب المسمومة من أخطر ما يكون؛ فتأثيرها يدخل تحت الجلد والعظم، ولابد أن ندرك هذا البعد، ونعد كل الوسائل للوقوف أمامها، ولا أبالغ إذا قلت إن غرف الشات تفوق خطورتها كل حركات الاستشراق والتبشير والتغريب والحروب الدولية، تفوق كل ذلك لما لها من قدرة عالية علي التخريب والتدمير. الاهتمام بالمضمون ويؤكد الدكتور محمد شامة أستاذ ورئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر أن الدردشة في حد ذاتها ليست حراما، فهي مثلها مثل أي حديث مباح، حرامها حرام، وحلالها حلال لأن العبرة في الحكم بالجواز أو عدم الجواز ليست في الوسيلة الناقلة للخطاب، ولكن في مضمون الخطاب نفسه، فيمكن استغلالها في الحلال كما يمكن استغلالها في الحرام، فإن كان الجلوس أمام الإنترنت واستخدامها لأغراض محمودة من باب البحث عن النافع والمفيد من العلوم، ونشر الدعوة فذلك أمر مشروع، وإذا كان الجلوس والمحادثة كتابياً أو بالكلام لغرض غير شريف، وإقامة الصداقات والعلاقات المشبوهة أو المحرمة فهو محرم، وباب من أبواب الفتنة يجب الكف عنه والامتناع عنه، مقترحاً استخدام غرف الدردشة ذاتها في تعديل سلوكيات شبابنا، وأن نحولها إلى غرف للدعوة الإسلامية. إحكام السيطرة وتؤكد د. سعاد صالح العميد الأسبق لكلية الدراسات الإسلامية للبنات بجامعة الأزهر أن ما يحدث الآن في غرف الدردشة إثم وحرام، وتقول: طريق الحرام حرام مثله وقد قال رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام «اتقوا الشبهات فالحلال بين والحرام بين». والإنترنت والهاتف المحمول مثل سكين المطبخ من يستخدمها في تقطيع الطعام فلا حرمة عليه ومن يقتل بها نفس فهو قاتل يستحق القصاص، وقد يحدث هذا كأن يستخدم البعض الهاتف المحمول في المعاكسات فهو حرام ويجوز منعه. وغرف الدردشة إن كانت بين شاب وفتاة في سن المراهقة يتبادلون فيها مشاعر محرمة وصوراً عن طريق الكاميرا ومشاهد غير لائقة وكلمات تخدش الحياء فهي حرام، وعلى ولي الأمر منعها، وإن كانت بين أشخاص ناضجين يتعاملون في معاملات نافعة كالتبادل الثقافي والتجاري والعلمي فهي حلال. وتضيف قائلة: الأمر ينصب في تحريم الدردشة التي تثير الغرائز وتسمح تبادل الصور والإباحية وهو أخطر ما يكون خاصة وأنه بات من اليسير ومتاح بالبيوت وسبب المشاكل العديدة، ولهذا يجب أن يكون تلك المحادثات تحت رقابة الآباء وتحت سيطرتهم لمنع الشباب من الانزلاق في تلك الأخطار حتى لا نهدم البشرية، لأننا مسلمين وشرقيين ونخشى أن ينتشر بيننا الاستخدام الخاطئ للإنترنت بصفة عامة وبرامج الدردشة بصفة خاصة التي تحث الشاب على تقليد الغرب تقليداً أعمى.