أزمة الغذاء العالمية التي ضربت معظم دول العالم وأدت إلى ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار المحاصيل والسلع الغذائية مع العجز في توفير الامدادات المطلوبة ونقص المخزون العالمي أدى إلى بحث العديد من الدول إلى تأمين احتياجاتها بطرق مختلفة. وفي منطقتنا اتجهت الأنظار إلى الدول الرئيسية التي ما زالت تمتلك إمكانيات وموارد زراعية لم يتم استغلالها بالشكل الاقتصادي الأمثل وبما يمكن أن يحقق جزءاً هاماً وأساسياً من احتياجات المنطقة والوطن العربي من الغذاء. إنها دولة السودان ولا غير! فمع توفر ما يقارب من 85مليون هكتار صالحة للزراعة و 16مليار م 3(ستة عشر ملياراً) من مياه النيل وواحد ترليون من الأمطار وقرابة 17مليون من العمالة (سبعة عشر مليوناً) يجعل ذلك كله من السودان الملاذ الأول لهروب دول المنطقة للسودان لتأمين احتياجاتها المستقبلية من المحاصيل الزراعية بكافة أنواعها دون منازع. والحقيقية أن هذه فرصة تاريخية للسودان والعالم العربي على حد سواء لبناء قاعدة زراعية صلبة تعود بالفائدة على السودان وعلى الدول العربية، فأزمة الغذاء العالمية أوجدت فرصة تاريخية لم تفلح المنظمة العربية للتنمية الزراعية التابعة لجامعة الدول العربية في ايجادها منذ إنشائها وبدء نشاطها عام 1972م واختيار الخرطوم مقراً لها إيماناً بأهمية موارد السودان الزراعية، ومنذ ذلك التاريخ وعلى الرغم من الأهداف "الجميلة" التي أعلنتها المنظمة عند إنشائها مثل تنمية الروابط بين الدول العربية وتنسيق التعاون بينها في كافة الأنشطة الزراعية، وتنمية الموارد الطبيعية والبشرية المتوفرة وتحسين وسائل وطرق استثمارها، ورفع الكفاءة الإنتاجية الزراعية والحيوانية، وتسهيل تبادل المنتجات الزراعية بين الدول العربية، وزيادة الإنتاج لتحقيق الاكتفاء الذاتي ودعم إقامة المشاريع والصناعات الزراعية والبنى التحتية لها، إلا أن المتابع لهذه الأهداف يجد أن ما تحقق منها يعتبر في منتهى التواضع، شأنها شأن الأداء العام للجامعة العربية في كثير من أنشطتها؟! يبقى على الشقيقة السودان فرصة تعويض الفترة الزمنية المهدرة والاستفادة من توجه المستثمرين الزراعيين من دول المنطقة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والذين يحظون بدعم وتوجيه واضح من القيادة السعودية بالذات، وهي الرسالة التي حملها وزراء الزراعة العرب المجتمعون هذا الشهر في الرياض أثناء انعقاد الدورة الثلاثين للجمعية العمومية للمنظمة العربية للتنمية الزراعية. لا يقل أهمية عن ذلك التوجه الفعلي الذي سبق ذلك لكبار المستثمرين الزراعيين السعوديين الجادين والتي تم طرحها أثناء لقائنا في مقر الغرفة التجارية الصناعية بالرياض في نفس الفترة مع معالي وزير الزراعة السوداني، التي تهدف إلى إزالة ما تبقى من معوقات لتسريع وتيرة استثمارهم في السودان وتعزيز الثقة فيها وتجنب أسباب تعثر بعض التجارب السابقة التي أوضح المستثمرون بعضاً منها مثل الإجراءات النظامية في تملك الأراضي الزراعية وتسريع تطبيقها، وتعدد الرسوم المختلفة للخدمات بين الولايات وأهمية تحديدها وتوحيدها، والمساهمة في رفع مستوى البنى التحتية للمناطق الزراعية، والارتفاع الكبير في أسعار الطاقة والخدمات وجعلها أكثر قدرة على المنافسة، وأخيراً الحرص على توفير الأراضي الزراعية المناسبة ذات الميزة النسبية من حيث القرب من الخدمات بينما يتم حجز الأراضي الأفضل والأقرب كما هي بيضاء دون استثمار منذ سنوات تحت أي مسمى؟! اختم هذا المقال بملاحظة شخصية أود التنبيه عليها وهي ضرورة مواكبة هذا التوجه نحو الاستثمار الزراعي السعودي خارجياً لتأمين الغذاء الوطني بأهمية ايجاد "مظلة" من الاتفاقيات الثنائية وحبذا لو تكون بضمانات دولية لحمايتها من أي تقلبات سياسية أو قرارات سيادية في الدول المزمع الاستثمار فيها وبما يضمن عدم تأثرها مستقبلاً أو منعها من التصدير للمملكة. والله من وراء القصد. *رئيس مجلس إدارة شركة كوم تريد الشرق الأوسط