مع تزايد أزمة الغذاء العالمي وانعكاساتها على المنطقة العربية، اشتد اهتمام المسؤولين فيها خلال الأعوام القليلة الماضية، بالاستثمار الزراعي، وازدادت أهمية بعض الدول العربية والأفريقية والآسيوية كسلة للغذاء العربي، بخاصةٍ منطقة الخليج التي تفتقر إلى الأراضي الزراعية وتعاني من شحٍ في المياه. وبلغت الفجوة في الإنتاج الزراعي والحيواني في الدول العربية 18 بليون دولار عام 2007، وتوقع خبراء أن ترتفع إلى 32 بليوناً خلال السنوات الخمس المقبلة، بسبب الارتفاع العالمي المستمر في أسعار المنتجات الزراعية نتيجة التغيرات المناخية، وما صحبها من جفاف أصاب معظم مناطق الإنتاج الزراعي الرئيسة، إضافة إلى توجه دول إنتاج رئيسة إلى إنتاج الوقود الحيوي، ما شكل ضغطاً كبيراً على المعروض من الحبوب. وقدر خبراء أن فاتورة مواد الغذاء لدول الخليج تكلف نحو 12 بليون دولار سنوياً، وهي ارتفعت إلى نحو 18 بليوناً عام 2008. ومع عودة ارتفاع أسعار مواد الغذاء وندرة الأراضي الزراعية والمياه، بدأت تتجه دول الخليج عموماً والسعودية والإمارات خصوصاً، اللتان تعتبران من اكبر الدول المستوردة لمواد الغذاء في المنطقة، إلى الاستثمار في الزراعة في دول عربية وآسيوية وأفريقية. وكان رئيس الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، أكد مطلع السنة الحالية، أن بلاده التي تستورد نحو 85 في المئة من احتياجاتها الغذائية، ترغب في الاستثمار في موارد زراعية في كازخستان من أجل تنويع مصادر الغذاء. وتناول وزير الاقتصاد الإماراتي سلطان بن سعيد المنصوري، في تصريحات حديثة، الاستثمار في الزراعة في الخارج، واعتبره جزءاً من سياسة الاستثمار للإمارات، في ظل زيادة الطلب على الغذاء جراء ارتفاع عدد السكان نتيجةً لتوافد العمالة الأجنبية على الدولة خلال السنوات الأخيرة، في ظل الفورة الاقتصادية غير المسبوقة، والتي تزامنت مع زيادة كبيرة في أسعار النفط. وكان الخبير في التكنولوجيا الزراعية الحديثة محمد عادل الغندور، حذّر في محاضرة ألقاها في مركز شؤون الإعلام في إمارة ابوظبي قبل اشهر، من أن الظروف الإقليمية والعالمية تحتم على دول مجلس التعاون الخليجي التحرك نحو الاستثمار الزراعي في أفريقيا مع ارتفاع أسعار الغذاء 75 في المئة منذ عام 2000، موضحاً أن قيمة فاتورة استيراد المواد الغذائية لهذه الدول تتجاوز 12 بليون دولار سنوياً. وأكد أن دولة الإمارات العربية المتحدة تأتي في المرتبة الثانية بعد المملكة العربية السعودية، من حيث تحمل فاتورة الاستيراد، ما يفسر توجه البلدين إلى إبرام اتفاقات دولية لضمان توافر مواد الغذاء وتنويع مصادرها. واعتبر الغندور أن الاستثمار الزراعي في الخارج أصبح جزءاً من سياسة الاستثمار لدولة الإمارات العربية المتحدة التي تدرس جدياً إمكان شراء أكثر من 100 ألف فدان من الأراضي الزراعية في باكستان بقيمة 500 مليون دولار، ولديها مشروع لتطوير 70 ألف فدان في السودان لتنفيذ مشاريع زراعية بالاستفادة من التقنية الحديثة . ورغم الثروات الهيدروكربونية التي تتمتع بها هذه الدول فإنها تعتبر من أفقر الدول بالنسبة إلى موارد المياه والأراضي الزراعية التي تشكل فقط 2 في المئة من أراضي السعودية وواحداً في المئة فقط من الإمارات. ومن ضمن مشروعات دول الخليج، مشروع إماراتي لتطوير أكثر من 70 ألف فدان من الأراضي الزراعية في السودان، إضافةً إلى استهداف الحكومة الاتحادية استثمارات في كل من مصر وباكستان. وأكد خبراء أن ارتفاع أسعار مواد الغذاء مسؤولة عن نحو 30 في المئة من ظاهرة التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي. وأشاروا إلى وجود فرص استثمار زراعي متاحة أمام دول مجلس التعاون الخليجي، في الدول الإفريقية بخاصة في السودان، في مقدمتها زراعة المحاصيل الإستراتيجية لسد الفجوة الغذائية وتصدير جزء من الإنتاج للسوق العالمي، إلى التوسع في مشروعات التصنيع الزراعي بخاصة محاصيل السكر والعصائر والمركزات والزيوت والأعلاف، وإنشاء مشاريع للإنتاج الحيواني والأسماك ومشاتل للفاكهة والأشجار الخشبية ونباتات الزينة.