بين جدران البيوت العربية ثمة حكايا لا تنفك عن فلان الذي أضاعته سيجارة محشوة، وفلانة التي جرفتها صديقتها نحو القاع، وبين الجدران متاهة متشابكة الخيوط يقف في أولها أناس لا تعرف لهم وجهاً وفي نهاية الدرب أناس مثلهم يرتدون الأقنعة. محنة المخدرات في العالم العربي ليست مجرد دخان أزرق في لحظة فراغ.. المسألة أعقد من ذلك بكثير. فضول وتجربة دق أطباء ومختصون اجتماعيون ناقوس الخطر من انتشار تعاطي المخدرات في أوساط المجتمع الموريتاني، بعد اكتشاف شحنة من الكوكايين في مطار مدينة انواذيبو بلغت حمولتها 600كلغ من الكوكايين، وقال مهتمون إن اتساع رقعة تجارة واستهلاك المخدرات يهدد بمستقبل جيل بأكمله بعد أن أكدت دراسة حديثة قامت بها جمعية الطفل الموريتاني وجمعية أوقفوا التدخين، أن 60% من طلبة المدارس الاعدادية والثانوية وحتى الأقسام الأخيرة من التعليم الابتدائي مدخنون. وتطورت ملابسات هذه القضية بحيث شمل استجوابات موريتانيين وأجانب، واعتقل سبعة متهمين بينهم فرنسيان ومغربي، ومازال خمسة من المشتبه بهم في حالة فرار، بينهم المتهم الرئيس الذي تعتقد السلطات أنه زعيم شبكة تهريب المخدرات على مستوى موريتانيا هو سيدي محمد ولد هيداله نجل رئيس الجمهورية السابق محمد خونه ولد هيداله. وقال محمد محمود ولد عالي -أخصائي اجتماعي ومعالج بقسم الإدمان في مستشفى نواكشوط- إن "عملية تهريب المخدرات التي اكتشفت تؤكد أن هذه العصابة قامت بعمليات سابقة لاقت النجاح، حيث إن الطريقة التي نفذت بها هذه العملية الكبيرة والتي ضبطت خلالها 600كلغ من الكوكايين ومبالغ مالية قدرت بمليوني دولار وطائرتين وعدة أجهزة اتصال عالية التقنية، تؤكد أن هذه العملية ليست الأولى من نوعها، وهو ما يعني أن سموم المخدرات باتت منتشرة في البلاد وأصبحت في متناول الجميع". ويفسر الباحث انتشار التدخين في المجتمع الموريتاني بغياب محاذير اجتماعية تمنع التدخين، ويقول إن "جميع الفئات مسموح لها اجتماعياً بالتدخين، ولا أحد يستغرب أو يستهجن تدخين النساء والمراهقات والصبية والشباب علناً وأمام الجميع، إضافة الى أن العامل المادي لا يقف في وجه تدخين الفقراء والعاطلين عن العمل؛ فأسعار السجائر متدنية وأنواعها الرديئة في متناول الجميع، ويعكس حجم واردات السجائر في موريتانيا الإقبال الكبير على التدخين، حيث يبلغ حجم واردات السجائر 175مليون علبة سنوياً؛ وهو حجم واردات إحدى دول المنطقة الذي يبلغ عدد سكانها 45مليون نسمة بينما عدد سكان موريتانيا لا يتجاوز 3ملايين نسمة". ومن خلال الدراسات التي قام بها في مجال الإدمان على المخدرات يؤكد الباحث أنه صادف حالات غريبة لباعة المخدرات "فبعضهم لا يعتبر بيعها حراماً، بل يدخر من أرباحها أموالاً للتبرع للمساجد والخيريات وأداء مناسك الحج والعمرة كل عام، وهناك عائلات بأكملها تتاجر في الممنوعات الوالدان والأبناء وحتى الأحفاد، وهناك من يسخّر الأطفال في توزيع البضاعة على المستهلكين، وفي أحدث ابتكارات أباطرة المخدرات يستخدم الباعة حالياً تقنية البيع بالهاتف حسب الطلب؛ وهذه الطريقة صار يعتمدها العديد من المروجين في إطار التنافس الجاري لكسب المزيد من الزبائن بتقريب السلعة اليهم". وأضاف الباحث أن "غالب تجار المخدرات أرباب سجون لأن العقوبات الحبسية لا تردعهم عن ممارسة نشاطهم من جديد، وهناك من يبيع المخدرات علناً وداخل منزله في تحد حقيقي للأمن والمجتمع، كما أن انتشار تجارة السموم هذه يرجع بالأساس الى أن العقوبات الحبسية لا تتجاوز في غالب الأحيان ثلاث سنوات بسبب عجز الأمن في كثير من الأحيان عن ضبط المروجين في حالة تلبس بحوزتهم المخدرات؛ لأن التجار يبتكرون أساليب كثيرة لإخفاء المخدرات مما تضطر معه النيابة العامة إلى إخلاء سبيلهم أو الحكم عليهم بسنة أو سنتين بعد سنين قضوها في ترويج المخدرات وبث السموم وتخريب البيوت، وأيضاً بسبب رفض المستهلكين الكشف عن مزوديهم خوفاً من انتقامهم أو الحرمان من التزود مستقبلاً بالمخدرات على اعتبار أن التجار يفضلون الزبائن المخلصين ويشتهرون بالفتّانين في أوساط باقي التجار". 2500مدمن في عام رغم تأكيد العميد الأردني طايل المجالي مدير إدارة مكافحة المخدرات بعمان أن الأردن لايعاني من مشكلة انتشار المخدرات إلا أن الواقع يثبت العكس، وإن كانت حدة التعاطي لا تقارن مثلاً بغيرها من الدول إلا أنها منتشرة بين الشباب.. وهو يقول إن الأردن لا يعد من دول التعاطي، بل من دول الترانزيت للمخدرات المهربة إلى الدول المستهلكة فالأردن خالٍ من زراعة المخدرات وأيضاً لا توجد فيه مختبرات تصنيع مخدرات. كما أن الإدارة تعاملت في عام 2007الماضي مع (2500) مدمن فقط، ومقارنةً بعدد سكان المملكة لا تصل إلى نسبة الاقتراب من التعاطي. وأشار المجالي إلى أنهم أهّلوا (400) شاب متميز ليسهموا في التوعية العامة والتحذير من رفاق السوء والغرباء وابتلاع حبوب مهدئة ومخدرة تحت أي إغراء. موضحاً أنه توفي (44) مدمناً جراء جرعة زائدة عام 2007فقط؛ لذا على الأهل والجيران التبليغ فوراً عن المدمنين وإلا اعتبروا شركاء في قتلهم حتى ينقذوهم من العقاب الجنائي وأيضاً من الانحراف الخطر والموت. أما أبرز الآثار الاقتصادية المدمرة فهي: إفلاس المتعاطي جراء ارتفاع غرام المخدرات (الهيروين)، حيث يصل سعره في الأردن (50) ديناراً أي (70) دولاراً وهو مرتفع جداً مهما بلغ ثراء المدمن فإنه سيفلس في النهاية. ربع مليون على المخدرات ومن ضمن الحالات المدمنة في الأردن: شاب ثري أوقعه أحد رفاق السوء في فخ الإدمان الذي دخله من باب الإغراء والتجربة والتجديد فأصبح أسيراً له خلال أسابيع وتغير للأسوأ، فلم يعد يهتم بتجارته ويضيّع ماله في المخدرات حتى أنه أنفق في عام واحد ربع مليون دينار مما جعل أهله ييأسون منه ويبتعدون عنه؛ ففقد كل شيء حتى قام أحد أصدقاء الطفولة بالإشفاق عليه فبلغ الشرطة عنه وهو يعالج الآن في مصحة حكومية. وحده الفاشل في أسرته - ف.م. شاب فقير غير متعلم - أدمن المخدرات بسن السابعة عشرة ولم يحصل على الثانوية العامة، عكس إخوته الذين يحتلون مراكز مهنية محترمة مرموقة ويخجلون منه لكنهم يرفضون التبليغ عنه خشية الفضيحة في المجتمع خاصة وأنه اليوم مشرّد بين أولاد الشوارع. - س. شاب طموح وفقير دائم التذمر من الفقر وغلاء المعيشة، لم يرضَ بعمله سائق تاكسي الذي بالكاد يغطي عائده احتياجات أسرته، ووجد في المخدرات تجارة جيدة لكن خوفه الدائم من القبض عليه أصابه برعب وتوتر فأصبح مدمناً لها أيضاً، فصار كل دخله ينفقه على نفسه غير مبالٍ بجوع أطفاله حتى تم القبض عليه ليقضي سنوات شبابه في سجن مظلم. - أم ستينية طيبة جاءت تبلغ عن ولديها بنفسها لكي يعالجا في إحدى المصحات الحكومية، وقالت للضابط: في لحظة ضعف دعوت على ولديّ بالموت بعد أن تغيرا للأسوأ تحت تأثير المخدرات وضربا والدهما بحثاً عن مال بحوزته، أخجل من نفسي ولا أريد أن أدعو عليهما مرة أخرى لكني خائفة منهما على نفسي وعلى عائلتي. المراهقون.. أكثرية على العكس من الأردن ينتشر استهلاك المخدرات في المغرب بشكل كبير إلى حد أنه صار هاجساً يقض مضجع المسؤولين والجمعيات المهتمة والمجتمع المدني، وخاصة آباء وأمهات الشباب الذين يستفحل استهلاك المخدرات في أوساطهم. وسبق لمركز الدراسات والأبحاث في المخدرات والبيئة بالمغرب أن كشف في تقرير صادر عنه أن حوالي 26% من المراهقين المغاربة يتعاطون المخدرات، و90% منهم من الأحداث والشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم الخامسة والعشرين، و10% تلاميذ بالمدارس الابتدائية والاعدادية والثانوية. ومن جهتها، أصدرت جمعية الديموغرافيين المغاربة قبل سنتين إحصاءات في الموضوع ذاته، وجاء فيها أن 20% من الطلبة الجامعيين سبق لهم أن تناولوا المخدرات، و5% من الطلبة يتناولونها بانتظام، بمعنى أنهم مدمنون عليها. أما في الاعداديات والثانويات، فإن 10% من التلاميذ يستهلكون المخدرات، و2% مدمنون. وتحدثت الدراسة عن نسبة تقارب ال 70% من مستهلكي المخدرات شرعوا في ذلك في الفترة العمرية ما بين 15و 18سنة. وتشير إحصاءات المندوبية السامية للتخطيط (هيئة حكومية) إلى أن 13.3% من ميزانية الاستهلاك لدى فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15و 24سنة، تخصص لاقتناء التبغ والمخدرات، مقابل 9.6% فقط مخصصة للترفيه والثقافة. مراحل تعاطي الشباب للمخدرات يحدد الدكتور محمد عباس نور الدين، أخصائي علم الاجتماع وأستاذ في كلية علوم التربية بالرباط، مراحل تعاطي الشباب للمخدرات، تبدأ بالتجريب وتنتهي بالإدمان، وهذه المراحل هي: مرحلة التجريب، وفي هذه المرحلة يبدأ متعاطي المخدرات في تناول المخدر على سبيل التجريب مع مجموعة من المتعاطين الأكثر خبرة منه، ويعتقد المتعاطي المبتدئ بأنه لا خوف عليه ما دام الأمر مجرد تجريب واكتساب خبرة جديدة، وغالباً ما تكون هذه التجربة سلبية (غثيان وتقزز).. مرحلة التعاطي العرضي، في هذه المرحلة لا يبحث المتعاطي عن المخدر وإنما يقدم إليه من طرف أصدقائه الذين يحملونه على نسيان الأثر السلبي الذي تركته مرحلة التجريب، وإقناعه بأن تناول المخدر يجلب المتعة والسرور. مرحلة التعاطي المنتظم، يبحث فيها الشاب المتعاطي بنفسه عن المخدر ويحاول المحافظة على التزود به بكيفية منتظمة. مرحلة الإدمان التي يصبح فيها تناول المخدرات جزءاً من حياة المتعاطي الذي يقاوم أية محاولة لحمله على العدول عن تناول المخدرات، ويلجأ إلى جميع الوسائل حتى لو أدى به إلى ارتكاب الجريمة لضمان الحصول على المخدر". وتفضي المخدرات إلى تشويش إدراك المدمن من حيث الزمان والمكان، وإلى اختلال في الوظائف العقلية وإحساساً خاطئاً بالقدرة على التفكير السليم، وعلى الكبر واحتقار الآخرين والعدوانية والعنف إزاء المجتمع الذي تربى فيه تفريغاً لمكبوتاته وما احتقن في صدره من حقد وغيظ وحسد. ولعل الآثار الاجتماعية ليست بأقل خطورة، حيث يؤكد أخصائيو علم الاجتماع أن الشاب المدمن على المخدرات يجرُّ عليه كثيراً من العواقب، ومنها أنه يكون منبوذاً وسط عائلته وداخل المجتمع، فالناس يخافون مصاحبته ومعاشرته لسوء أخلاقه في غالب الأحيان أو لعنفه اتجاه الغير، وهذا يسبب العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع الواحد. وقد تتسبب المخدرات أيضاً في زنا المحارم، لأن العقل يكون معطلاً حينها فلا يدري عواقب تصرفه. قصص من الواقع في جولة ميدانية في بعض مصحات علاج الإدمان المصرية، للتعرف إلى طبيعة شخصية المرأة المدمنة، وكيفية سقوطها في براثن المخدرات فضلاً عن الظروف الأسرية والاجتماعية التى تدفعها إلى الوقوع في فخ الإدمان القاتل: نبدأ جولتنا من أحد أكبر مراكز علاج الإدمان فى مصر "قسم السيدات" مع حكايات غريبة ومحزنة: بطلة قصتنا سيدة تعمل فى مكاتب حجز تذاكر الطيران تجيد التحدث بأربع لغات وزوجها رجل أعمال، ومن خلال عملها تعرفت على صديقة سوء وبدأت العلاقة تتوطد فقدمت لها الصديقة في بادئ الأمر الحبوب المخدرة ثم تطورت لشم "الهيروين" ثم أتبعها الأفيون، وهكذا تحولت السيدة المثقفة -فجأة- إلى مدمنة! اكتشف الزوج الأمر وحاول معالجتها لكنها رفضت فطلقها فتزوجت من آخر كان يعمل مصوراً فى محل تصوير فوتوغرافي، وتبين بعد ذلك أنه كان يدير شبكة دعارة فعملت معه بعد أن ضغط عليها بالمخدرات في إدارة هذه الشبكة، وتم القبض عليهما وأودعت في إحدى مصحات العلاج النفسي وألقي الآخر في غياهب السجون. الجرعة القاتلة قصة أخرى تفرض نفسها لطالبة لا يتجاوز عمرها 17عاماً في إحدى المدارس الثانوية، أصيبت بحالة إغماء داخل فناء المدرسة وتم نقلها إلى المستشفى حاول الأطباء إفاقتها لمدة ساعتين كاملتين إلا أنها لم تفق من غيبوبتها فتم وضعها تحت الملاحظة في غرفة العناية المركزة، بين الحياة والموت، وأجريت لها أشعة مقطعية على المخ خوفاً من أن تكون قد أصيبت بجلطة رغم ندرة هذا المرض في تلك المرحلة العمرية، وعندما تم عمل تحاليل الدم اكتشف أنها أخذت جرعة كبيرة من الهيروين أدت إلى هبوط حاد في الدورة الدموية وغيبوبة في المخ، وبعد يومين كاملين وجد الأطباء أن الفتاة مصابة بضمور شديد في الثديين وحول عينيها هالة سوداء، فبدأوا في علاجها وكانت هناك مفاجأة مؤلمة لوالدها رجل الأعمال الذي انهار عندما علم أن ابنته الوحيدة أصيبت بشلل مؤقت. أقدم تجارة عالمية! وعن تاريخ المخدرات تقول الدكتورة سامية الساعاتي- أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس: استخدام المواد المخدرة يضرب في أعماق التاريخ ويعود إلى حوالي 5000سنة؛ فمنذ العصور السحيقة قام أناس بزراعة نباتات مخدرة لأغراض ترفيهية أو طبية أو اجتماعية؛ لكن البدايات المعاصرة لاستخدام المخدرات خاصة في الغرب بدأت بالاستخدام الطبي للمخدرات، وكان الأطباء يصفون مركبات الأفيون كعلاج، بل إن أحد الأطباء كتب كتاباً يبين فيه للأمهات متى وأين تستخدم المخدرات لعلاج أطفالها. وكان جهل الأطباء حينئذ بالمخاطر التي يمكن أن تنتج عن إدمان هذه المواد، جعلهم يستخدمونها على نطاق واسع لعلاج العديد من الأمراض والآلام، وقد اتسع نطاق استخدام المخدرات إلى أن دخلت في كل علاج حتى مهدئات الأطفال. أدبيات المدمنين! في جلسات التعاطي يستخدم المتعاطون كلمات رمزية مثل (الكعبية) وهي الدماغ، و(كتوتو) و(البستوف) و(السمسون) و(الزغروف) وهي أسماء متعددة لسيجارة البانجو، و(زوقني) أي اجعلني مسطولاً؛ كما أن هناك عدة تعبيرات مأثورة يتداولها متعاطو المخدرات منها (حاجه آخر روشنة)، و(اشرب البانجو وأنت تنجو)، و(الكيف مناولة مش مقاولة) و(اعدل مزاجك وطلق مراتك)، و(راس من غير كيف تستحق القطع بالسيف) و(البانجو بيعمل دماغ حلوة)، و(الجمجمة امتلت والراس مضبوطة)، وفي حالة عدم وجود إمكانية لشراء أية مخدرات يقال (الطاسة فاضية والدماغ ناشفة). التحريض بالغناء! قد يستغرب القارئ أن يروج مغنٍ ما لتعاطي المخدرات بشكل علني وفي أغنية لا يعرف مقص الرقيب طريقاً إليها؛فيؤكد بشكل أو بآخر تجدر فلسفة الإدمان في مجتمع ما؛ إذ يقول أحد المغنيين الجزائريين "اليوم أنا أنديكلاري على حياة الزوالي مسكين راه يبكي جاء ليّ وأشكالي يعرف غير التكر وباش اينسي فكرو.. خليه يءكن في عقلو حتى الدنيا تضحكلو قارو وراء قارو حتى عينيه يحمارو ويحس في عروقو طارو، سأترجم هذه الأغنية التي يقول صاحبها الذي نصب نفسه محامياً على حقوق فقراء الجزائر وبكل بساطة" اليوم أنا أدافع عن الفقير الذي جاء إليّ يشكو حاله وهو لا يعرف غير المخدرات كي ينسى بها همه "ويضيف" اتركوه ينتشي حتى تضحك له الدنيا وهو يلف سيجارة وراء سيجارة حتى تحمر عيناه ويسخن الدم في عروقه فيطير..."، وهو بهذا يضرب عرض الحائط كل الجهود التي تبدلها الدولة في سبيل محاربة المخدرات بكل الوسائل في مجتمع تفنن في تسمية هذا المخدر من منطقة إلى أخرى الكيف.. لارطان.. الحشيش.. الزطلة.. التكروري.. الجريفا.. العقار وأسماء أخرى أجهلها؛ ولكن على اختلافها هي مدلولات لدال واحد هو السم الذي انتشر في أوساط المجتمع الجزائري ولم يفرق بين امرأة أو رجل أو شاب وطفل. لقد تفشت ظاهرة المخدرات في الجزائر وفي أوساط الشباب بشكل كبير خصوصاً بعد العشرية السوداء، وتدق الدراسات في الجزائر ناقوس الخطر؛ إذ كشفت دراسة أعدتها الجمعية الجزائرية لترقية الصحة وتطوير البحث أن 13% من طلبة الجامعة يتعاطون المخدرات، ويقول الدكتور مصطفى خياطي رئيس الجمعية إن السبب يتمثل في مشاكل يعاني منها الطلبة في الأحياء الجامعية وبالأخص الطالبات،من بينها مشاكل في الدراسة إذ تجد العديد من الطالبات القادمات من المدن الداخلية مشكلات في التأقلم مع البرامج الدراسية التي تعتمد بشكل كبير على اللغة الفرنسية، وبالتالي يشكل هذا الإخفاق في التأقلم شعوراً بالنقص يتطلب هروباً من الواقع، و يضيف الدكتور مصطفى خياطي وجدنا ما بين 8% إلى 10% لديهم مشاكل عائلية، وأن 80% منهم لم يسبق لهم الزواج، وتتراوح أعمارهم بين 18و 33سنة، وليست لهم حرية اقتصادية، إلى جانب أسباب أخرى، منها عدم وجود مراكز ترفيه، يصرف الشباب طاقاتهم بها. لم تعد هذه الظاهرة تختص بفئة الذكور فقط بل تعدتهم إلى الإناث خاصة في الأوساط الجامعية ف 13% من الطالبات يتعاطين المخدرات وفي دراسة ميدانية أجرتها المؤسسة وتناولت 1110من الطالبات المقيمات في الأحياء الجامعية بالعاصمة تأكد أن 22% ممن شملتهن الدراسة يتناولن المخدرات يومياً وبصورة منتظمة؛ وأن 39% منهن يفعلن ذلك داخل الإقامة فيما ذكرت أن 56% يتناولن المخدرات بصفة فردية وضبطت الدراسة نسبة الطالبات اللائي لا يعرفن الكثير عن المخدرات في الوسط الجامعي وكذا الإدمان ب 20% ويأتي القنب الهندي على رأس أنواع المخدرات المنتشرة بين الطالبات بنسبة 68% وتليه الأقراص أو المؤثرات العقلية مثل الفاليوم و أرتان بنسبة 17% وتشكل المخدرات المصنفة قوية بنسبة 5% وفي تقرير مماثل لذات المؤسسة نشر العام الماضي تبين أن 34% من تلاميذ الثانويات بالعاصمة يستهلكون المخدرات؛ وأن 28% منهم إناثاً، وهذه سابقة خطيرة نبهت إليها المؤسسة الوطنية لترقية الصحة؛ وحذرت من أن تتحول الظاهرة إلى وباء حقيقي بين الطلبة في الجامعات وتلاميذ المدارس إذا لم تلتفت السلطات العمومية إلى الأمر بجدية وحزم؛ وإذا لم تتخذ في مواجهته أسباب المكافحة بالطرق العلمية والتوعية المطلوبة كما جاء في التقرير. احتلال المخدرات يعتبر الفلسطينيون قوات الاحتلال الإسرائيلي المصدر الرئيسي لنشر المخدرات والرذيلة في المجتمع الفلسطيني بهدف تدميره وإسقاطه في براثنها وخاصة فئة الشباب. وفي هذا الصدد، قال العقيد عبد الحليم العالول مدير عام مكافحة المخدرات في الضفة الغربية: إن المخدرات تصل إلى مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية من تجار في إسرائيل؛ وخاصة من القدسالمحتلة، فجميع تجار المخدرات العرب موجودون في القدسالشرقية ويستطيعون إدخال المخدرات بسهولة إلى أراضي السلطة الفلسطينية. وأكد العالول في تصريحات صحفية، أن آفة المخدرات بدأت بالظهور في بعض المدارس كحالات فردية لا يمكن اعتبارها ظاهرة حتى الآن رغم أنها تدق ناقوس الخطر لا سيما في مدينة القدسالمحتلة. وحسب دراسات وأبحاث نفذتها مؤخراً دائرة البرامج المهنية في الهيئة الوطنية العليا للوقاية من المخدرات فإن مقارنة مع الأعوام الماضية تشير إلى أن هناك ازدياداً في معدل الجريمة والانحرافات السلوكية والإدمان على المخدرات والكحول بين فئة الشباب الذين تراوحت أعمارهم بين ( 18- 25) عاماً. وأكدت الأبحاث، أن هناك خطراً حقيقياً لتدني الفئة العمرية لمتعاطي المخدرات؛ حيث وصل السن إلى 14عاماً وبعض الحالات الشاذة إلى 9سنوات. ودلت الإحصاءات خلال العامين الماضيين على أن هنالك ازدياداً في جرائم الأحداث من ذوي الدخل المتدني والمتوسط؛ حيث بلغ العدد (1250) حدثاً 80% منهم من أبناء العائلات ذات الدخل المتوسط والمتدني والتي يزيد عدد أفرادها عن ثمانية. وأكدت دراسة للهيئة على أن البطالة والفقر كان لهما النصيب الأكبر في دفع الشباب إلى الانحراف وخاصة السرقة، وخصوصاً سرقة السيارات والمحال والبيوت وتعاطي المخدرات وخصوصاً المارغوانا وحبوب الاكستازي. وبدوره حذر الدكتور حسن الجوجو عضو مجلس إدارة رابطة علماء فلسطين، من خطورة انتشار المخدرات في المجتمع، لافتاً إلى الأضرار الدينية والدنيوية المترتبة على تعاطي المخدرات؛ مؤكداً إجماع علماء الأمة على تحريم المخدرات وتعاطيها. طرق تهريب يراهن مهربو المخدرات إلى اليمن وعبر أراضيه، على حداثة عهد اليمن بهذه الآفة وقصور خبرته. ولهذا فإنهم حتى عهد قريب جداً، لم يحرصوا على استخدام وسائل وطرق معقدة جداً في تهريب المخدرات، مُعتمدين أساليب تقليدية ظلت إمكانات اليمن دون اكتشافها، في مختلف المنافذ البرية والجوية والبحرية، والأخيرة هي البوابة الكبرى لنفاذ المخدرات إلى اليمن وعبر أراضيه إلى محيطه الإقليمي. هذا ما تقرؤه في أحاديث المعنيين، حول الأساليب التقليدية والجريئة أيضاً لمهربي المخدرات، ومنها: تصدير المخدرات في حاويات تجارية. ويتذكر موظفو جمارك ميناء الحاويات في عدن اكتشاف عملية تهريب طن من الحشيش المُصنع (الرايتنج) قيمته 500مليون ريال يمني (ما يعادل 10ملايين دولار آنذاك)، داخل حاوية آتية من باكستان ترانزيت، وقد صدر حكم الإعدام بحق أربعة نفذوا العملية، بينهم باكستانيان. إضافة إلى أسلوب الإنزال الليلي للمخدرات داخل أكياس نايلون عائمة، مِنء لنشات متسللة للمياه الإقليمية اليمنية، قبل أن ينتشلها شركاء المهربين بطريقة الجرف (شباك الصيد) من نقاط لا تخضع لرقابة خفر السواحل اليمنية، أو الإخفاء المحكم للمخدرات في أجزاء خفية على متن زوارق ولنشات زائرة لميناء عدن بزعم قصد التزود بالوقود أو الصيانة وإصلاح عطب، كما حدث مطلع فبراير الفائت مع لنش باكستاني ضُبط بحمولة 1190كجم من حشيش الرايتنج. وفي المرحلة الثانية لعمليات تهريب المخدرات إلى اليمن، يستخدم المهربون طرق تمويه محكمة لكميات المخدرات، يذكر منها الرائد منصور دهمان: (داخل حمولات فواكه أو خضراوات أو خلف المقاعد، أو أسفل طبقة الفيبر جلاس لسيارات النقل (الهايلوكس).. إلخ. ووفقاً لمصادر أمنية فإن المهربين مازالوا يلجؤون أحياناً إلى (الحمير المُدربة) من حيث اعتيادها طرقاً وعرة لاجتياز نقاط التفتيش بين المحافظات والمنافذ الحدودية لدور الجوار. وإذا كانت سلطات الجمارك السعودية في منفذ (الحديثة) بالقريات تمكنت من ضبط أغرب عملية تهريب للمخدرات داخل أحشاء (204) من الماعز الموردة إلى السعودية؛ فإن سلطات أمن محافظة المهرة هي الأخرى استطاعت في يونيو 2006م ضبط أربعة متهمين بالتهريب على متن شاحنة أسماك بداخلها كمية من المخدرات قدرت بطن واحد، أثناء توقف الشاحنة في ضبوت الساحلية التي تبعد نحو 40كيلو متراً عن عاصمة المحافظة. فوضى الحروب ازدهرت زراعة وصناعة المخدرات في ظل حالة الفوضى التي ترافقت مع الحرب الاهلية (19891975م) فاحتل لبنان في تلك الفترة مرتبة متقدمة بين الدول المنتجة للمخدرات إلى درجة واجهت فيها الحكومة اللبنانية صعوبات جمة لمواجهتها في العقد الأخير من القرن الماضي. وأفلحت الحكومة اللبنانية في القضاء على إنتاج وتجارة المخدرات بعد حملة جدية بدأتها أواخر التسعينيات ولا تزال مستمرة حتى الآن. وتُعتبر ضاحية لبنان الجنوبية من المواقع الحساسة في بيروت؛ خاصة وأنها تحت سيطرة "حزب الله" وغياب سلطة الدولة اللبنانية هناك؛ فالقوى الأمنية في سبات عميق، والشباب اللبناني "مصحصح عالآخر". يقول أحد الشباب المتعاطي للمخدرات الشعبية: "دوريات حزب الله تقوم بمداهمة التجمعات الشبابية وتفتشنا، ومن يُظبط متلبساً، يأخده شباب الحزب. ويضربوه ويحلقون شعر رأسه ويتركونه بعد تعهده بعدم تكرارها. ويضيف ساخراً: "علقة بتفوت وما حدا بيموت". في إشارة أن الشباب اللبناني لا يأبه لمثل هذه التنبيهات. ظاهرة تتزايد تؤكد المعلومات الأمنية في منطقة البقاع وعمليات التوقيف التي قامت وتقوم بها مختلف الأجهزة الأمنية التابعة لقوى الأمن الداخلي على تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات وتزايد أعداد المدمنين عليها. ومنذ أوائل السنة الحالية حوّل مكتب مكافحة المخدرات في البقاع أكثر من مئة وعشرين موقوفاً، كما أن النيابة العامة الاستئنافية في البقاع ادعت على حوالي مائة وخمسين موقوفاً منهم وجاهياً وبعضهم غيابياً. وتشير بعض المصادر الأمنية بأن الهيرويين، وهو أخطر أنواع المخدرات، يهرب إلى لبنان عبر الحدود البرية في البقاع آتياً من بعض دول أمريكا الجنوبية مثل كولومبيا وفنزويلا؛ إضافة إلى أفغانستان الشهيرة "بإنتاج" هذا المخدر وتصديره إلى الدول المجاورة لها. إما إدخاله عبر مطار بيروت الدولي فدونه عقبات كبيرة بسبب التدابير الأمنية المتخذة وتقنيات التفتيش الحديثة. ويقول الأب مروان غانم رئيس مركز "عليّة ابن الإنسان" وهو المركز الوحيد في منطقة البقاع لمعالجة المدمنين إن نسبة المدمنين على المخدرات في مدينة زحلة وقرى الجوار أعلى بكثير من أعداد الموقوفين لدى القوى الأمنية. ووفق ما يقول غانم فإن أعمار المدمنين تتراوح ما بين 16وبين 25سنة. وتستمر فترة العلاج التي تتم مجاناً من سنة إلى 15شهراً. وتنحصر وفق الأب غانم بالصلاة والمعالجة النفسية والاجتماعية؛ إنما الأهم أن تكون لدى المدمن قناعة راسخة بضرورة التخلص من الإدمان والشفاء. لا تبالغوا.. ولا تخوّفوا يرى الأخصائي الاجتماعي الدكتور محمد عباس نور الدين أن من العوامل التي تمكّن الشباب من الوقاية من الوقوع في محظور المخدرات: توفير الجو العائلي المستقر، حيث إن الشاب الذي عاش طفولته في أسرة مستقرة وهادئة يسود أفرادها علاقات متوازنة تقوم على التفاهم والحوار سيكون أقل عرضة للانحراف وتعاطي المخدرات. تكيف الشاب مع محيطه يحصنه ضد تعاطي المخدرات، فتعاطي الشباب وفق الأخصائي المغربي يعتبر مظهراً لسلوك تدميري يعكس سوء تكيف الشاب مع محيطه الذي يعيش فيه، وغالباً ما يعبر عن الصعوبات التي تعترض تكيفه السليم مع المجتمع باللجوء إلى أنماط منحرفة من السلوك تكون ذات طابع عدواني موجهة ضد المجتمع وضد الشاب نفسه. الخطاب الموجه للشباب للإقلاع عن تعاطي المخدرات أو وقايته منه، يراه الدكتور محمد عباس نور الدين خطاباً يعتمد أحياناً أسلوب التخويف والمبالغة في إظهار أخطار هذه الآفة على الفرد والمجتمع، لذا يجب أن يتسم الخطاب الموجه للشباب في هذا المجال بقدر من التفهم لحاجيات الشباب النفسية والاجتماعية والبيولوجية ولطبيعة شخصيتهم وتفكيرهم وأسلوب معالجتهم لقضايا الحياة والمجتمع، والاستعانة بالأطباء والمربين والمتخصصين في علم النفس والاجتماع يعتبر أمراً إيجابياً لكي لا يظل الخطاب الموجه للشباب في وادٍ والشباب في وادٍ آخر.