أذكر بأنني رأيت بطاقة تعريف بأحدهم، حملت بالإضافة إلى أرقام الاتصال به، مواقعه الإلكترونية وإيميلاته، سردا متكاملا لمواهبه، فهو قاص "وإن لم يصدر أي مجموعة قصصية" وكاتب "مع أنه لم يكتب في أي وسيلة إعلامية" ورسام "مع أننا لم نر له لوحة" وشاعر "ربما في أوقات الفراغ" وأحياناً يفكر في تأليف كتاب عن النقد الأدبي. نرى الكثير من هذه النماذج، حيث تضخم الأنا يطغى بشكل مخيف، بشكل يحجب عن هذا الشخص الرؤية، ويعيقه حقيقة عن التطور، فالقضية "كما تتراءى له" لا تتعدى كونها مجموعة من الألقاب يكتبها في بطاقة شخصية، ويعممها علىٍ الأصدقاء، ويبرزها بشكل لافت تحت صورته في مدونة ما، وموقع ما، فالقضية في النهاية مجرد هواجس كتبت بشكل أو آخر. لكن المشكلة أن هذه الحالات التي كنا نراها فردية بدأت تتضخم، ولا يحدها حدود، فيأتي المفكر الذي لم نعهد له فكرة ليتحدث وكأنه علامة الوطن، ويأتي الصحافي الذي بالكاد نُشر له تحقيق أو حوار ليتحدث عن تجربته مع الصحف العربية، وكاتب آخر تائه في منتدى للإنترنت أو مدونة متهالكة، يتحدث عن أفكاره التي تحارب! إلى أي مدى تعطي الساحة الثقافية دوراً لأشخاص لا يستحقون، وإلى أي مدى تسلبه من أشخاص يستحقون، وربما، كان السؤال أصعب، هل يظنون أننا بهذه السذاجة لنصدق ما يقولونه عن أنفسهم والمؤامرات التي تحاك ضدهم؟! يبدو أحياناً بأننا بحاجة إلى زيادة في الوعي بالذات، وإدارة الحياة، ودراسة علم النفس وعلم النفس الاجتماعي، أكثر من حاجتنا لإصلاح ثقافي أو مؤسسات فاعلة، مع بعض المثقفين الذين أصابهم إحباط حاد، فتكاد أن تراهم موتى، وبين آخرين، يكاد أن ينفجر بعد أن انتفخ كطاووس.