ردود الأفعال تتواصل على حلقات مشعل السديري «هل تجنّى هيكل على عبدالناصر؟» أحمد بن خالد الأحمد السديري أحمد بن خالد الأحمد السديري - محامٍ سعودي تتواصل ردود الأفعال على الحلقات الثماني التي قدم فيها الكاتب المعروف مشعل السديري قراءته لمرحلة النكسة والحقبة الناصرية تحت عنوان «هل تجنى هيكل على عبدالناصر؟»، والتي انفردت «الشرق» بنشرها في الفترة من ال 3 من مارس الجاري وحتى ال 11من نفس الشهر. واليوم وغداً تنشر «الشرق» تعليقاً مطولاً على حلقات مشعل السديري، يكتبه المحامي أحمد بن خالد الأحمد السديري ويقدم فيه تحليله لشخصية الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر ويربط بين مفاتيح شخصيته والقرارات التي كانت تصدر عنه بما حَملته من تأثيرٍ على الأمة العربية. ويعتبر أحمد بن خالد الأحمد السديري أن عبدالناصر كان «مغامراً لا يزعه الضمير عن اللعب بأقدار بلاده إذا تراءى له أن ذلك يحقق أحلامه»، ويستشهد «السديري» بإصابة الرئيس المصري الأسبق بداءٍ لا يعد معه صالحاً لتولي الحكم بشهادة طبيبه الشخصي أنور المفتي. ويتطرق أحمد السديري إلى علاقات عبدالناصر بالدول العربية، مرجعا إظهار بعض الدول الود له إلى «حذرها من أذيته»، متهماً إياه بإصدار أوامر ل «زبانيته» في بيروت باغتيال كامل مروة صاحب جريدة «الحياة» لأنه انتقد سياساته و»أظهر ما أورثته حرب اليمن من شرذمة للعرب وانتكاسات لمصر». عبدالناصر..السياسة.. والفهلوة (1 – 2) الرئيس المصري كان مصاباً بداء لا يعد معه صالحاً لتولي الحكم بشهادة الطبيب أنور المفتي عبدالناصر عقب أحد خطاباته الجماهيرية
حقيقة عبدالناصر أنه مغامر لا يزعه الضمير عن اللعب بأقدار بلاده إذا تراءى له أن ذلك يحقق أحلامه أمر زبانيته في بيروت باغتيال كامل مروة صاحب جريدة «الحياة» لأنه انتقد سياساته دول عربية كانت تظهر له الود حذر أذيته.. ودول أخرى كانت علاقته بها شبه مقطوعة هذه مقالة كنت قد كتبتها لسنين خلت.. وذلك بعد أن ولّى ما يفيض على ثلاثين عاماً على حرب يونيو، إلا أن بعض الصحف وجدت حراجة في نشرها ذلك الزمان.. فطويتها في يم النسيان، وقد أحجمت عن نشرها في ذلك الزمان، ولكن عندما رأيت تعليق أخي مشعل المحمد السديري على مقاطع مما قاله هيكل.. اهتبلت الفرصة وأرسلتها لصحيفة «الشرق» الغراء.. إذ استبان لي أن فحوى ما فاه به هذا الأخير هو نفس ما سطرته صراحة في هذا المقال.. ولو أنه كان بعيداً عن عبدالناصر لقال ما قلته.. إلا أن حراجته من الصراحة جعلته ينتحي الإبهام في قوله والغمغمة واللواذ.. حذر أن يكون فاضحاً لحقيقة صديقه عبدالناصر كمغامر لا يزعه الضمير عن اللعب بأقدار بلاده إذا تراءى له أن ذلك قد يحقق أحلامه المبتغاة. شاهدي على ذلك حرب يونيو.. التي يعاني العرب من هوْلِ آثارها حتى هذه الساعة، وهي حرب تنضوي تحت ما يطلق عليه المراقبون وأهل السياسة (حروب المغامرات)، وفحواها أن يتخذ زعيم بلادٍ قراراً يضع به بلاده في حالة حرب دون انتوائه الدخول فيها، بل انعتاقاً من مشكلات داخلية تردت فيها بلاده، واجتباءً لمغانم سياسية من وراء ذلك، أي أنه يغامر، لأنه حين اتخذه يكون على جهالة بالمحاذير التي تواكبه، وغير مدرك لعاقبته، عند هذا يقع ما خيف منه، وهو دخول بلاده في حرب لم تستعد لها ولم يتوقعها، فيأتي الوبال والدمار. فمن الجَليّ أن عبدالناصر حين عنّ له اتخاذ قراره بإنزال جيشه في سيناء على حدود إسرائيل، وطلب سحب قوات الأممالمتحدة، ثم أصدر القرار بإقفال مضايق تيران.. نقول اتخذ كل هذا على سبيل المناورة، وكانت مراميه سياسية، وإذا كان من آثار هذا القرار هو نشوب حرب يونيو، فالمؤكد أنه لم ينتوِ الاحتراب ولم يتوقع نشوبها، بل ولم ينتوِ الإقدام على هذا القرار حتى قبل شهر من اتخاذه. لكن الذي يتذكر الحال التي كان فيها في تلك الفترة وما حلّ به وبمصر من نوائب في السنين التي سبقت حرب يونيو، يجد العارف لطبيعته ومزاجه أن قراره هذا كان وارداً، فمنذ اتخاذه قرارات التأميم والمصادرة وتطبيقه سياسة رأسمالية الدولة التي كان على هامتها، الأمر الذي جعل الأموال والرقاب والأقدار تحت يده يسخرها لمغامرات يبتغي من ورائها أثيل الأمجاد التي حامت دائماً في خياله.. أخذت الأوضاع الاقتصادية في مصر تزيد في التردي بعد أن تردت طوال السنين التي سبقتها، فنأت الاستثمارات الخارجية، والمواطن غدا خائفاً على ماله الذي راح يخفيه حذر المصادرة، فأحجم عن أي مشروع ينتويه، لأن ما قيل بأنه إصلاح زراعي.. كان نكلاً عليها.. إذ تردّى الإنتاج الزراعي، وبعد أن كانت مصر مصدراً للإنتاج الزراعي غدت مستوردة، ولهذا أضحت المساعدات الاقتصادية الخارجية كالقمح الأمريكي ضرورة من الضرورات، ثم زادت الحالة سوءاً بمغامرته العسكرية في اليمن التي أضحت نفقاتها إصراً حمّله اقتصاد بلاده وهي لا طاقة لها به، فزاد ضَعْفَها ضَعْفاً، أما شعبيته التي لم يكن كمثلها شيء في مصر وفي جهات دنيا العرب الأربع، أخذت تهوى من ذُرَاها، وقد تبدّى هذا في مصر أولاً، فالتدهور الاقتصادي وحرب اليمن التي أنشبت أظفارها في أحوال البلاد كان له وقع جد سيئ في الشارع المصري، وأخذ الملأ يتساءل لماذا.. لماذا.. لماذا يخوض أبناؤهم غمراتها؟ ولماذا يقتلون في حرب غبية.. لا يدرون مرامها؟ فهذه الحرب التي أنهكت مصر، ومصادرة الأموال تحت اسم التأميم.. هذه السياسة التي أذهبت فرص الاستثمار.. فازدادت البطالة.. الأمر الذي أثار التذمر بين العامة، كل هذا.. حدا بذوي الكفاءات والموهوبين للهجرة طلباً للعيش تحت سماوات أخرى، أي أن أرض الكنانة التي كان يُهاجَر إليها عبر القرون أصبحت يُهاجَر منها، بل إن انهيار صيته هذا لم يقتصر على مصر، بل تعداها إلى البلاد العربية، فالتزامه بتحرير فلسطين الذي ردده عبر السنين، والذي كان الأساس الذي ارتكزت عليه شرعيته وشعبيته.. وغدا به زعيماً للعرب.. هذا الالتزام أخذ يذوي، فقد انبهم الأمر على العرب قاطبة وأهل فلسطين خاصة حين فاجأهم بخطابه عام 1965 الذي عالنهم فيه بأن ليس لديه خطة لتحرير فلسطين، أي أن وعوده أخذت تتناءى كالسراب، بل إن قوله هذا بَهَتَ الناس فأخذوا يتساءلون حيارى هل حنث قائدهم بعهده؟ وهل كان صادقاً من قبل في كلامه؟ إذ لا يغرب عن الذهن أن الخطاب ذاك كان من دواعي قرار جماعة من الفلسطينين الاعتماد على أنفسهم بالنسبة لقضيتهم، وليس من المصادفة أن يكون تنظيم فتح قد بدأ في تلك السنة أو التي قبلها. أما على المستوى الرسمي فقد كانت الآصار بينه وبين الغلبة الغالبة من الدول العربية رديئة، فالدول التي بينه وبينها علاقة أو أظهرت الود له كلبنان وليبيا والكويت كانت تصانعه حَذَرَ أذيته، أما الدول الأخرى، كسورية والعراق والمملكة العربية السعودية والأردن والسودان وتونس فقد كانت شبه مقطوعة أو تعتورها الريَبُ والظنون، وحتى المغرب في أقصى الغرب الغربي.. فقد قطع العلاقة معه بعد أن حارب الجزائر ضدها فيما يعرف بحرب الرمال (la guerre du sable) التي اشتعلت بين البلدين في خلاف على الحدود، إذ أرسل إلى الجزائر طائرات وطيارين سقطوا أسارى -أحدهم كان الرئيس مبارك- في يد جيش المغرب أثناء المعارك، وقد فعل ذلك دون أن يعرف من هو المخطئ ومن هو المصيب، والواقع أن عِثَار طالعه، بدأ منذ انفصال سورية عام 1961، إذ إن المصائب أخذت عليه تترى في السنين التي تلت ذلك الحدث، فالانفصال كان له تأثير مدمِّر على حالته الصحية والنفسية، فمن آثاره هو أنه أصيب بداء عَيَاء وهو (السكري)، وكان سقمه هذا من النوع الخطير الذي يطلق عليه (البرونزى)، ودليل ذلك أن الدكتور أنور المفتي وهو عالم جهبذ في مجال اختصاصه كتب تقريراً أبان فيه أن من يصاب بالنوع هذا من داء السكري لا يُعدّ صالحاً لتولي الحكم، فهو إذا ما ثار في نوبته على من ابتلى به يضحى المصاب مارج العقل قريباً من الخَبَال، وقد يكون هذا دافعاً لاتخاذه قرارات مدمرة هُوج، والواقع أن الذي يتذكر ذلك العهد يُلفي ما ورد في تقرير ذلك العالم كان صائباً، فقد كان يهذي في خطبه بأقوال ويأتي بقرارات لا يقدم عليها إلا من اختبل عقله، فالكل يعرف أنه اتفق في جدة مع الملك فيصل عام 1965 على فك الارتباط من اليمن وحل الخلاف بطريقة سلمية، فإذا به يقرر فجأة نكْث ذلك الاتفاق في مارس 1966، فأعاد الأمور جذعة في ذلك النزاع الذي تأبد، وغابت فرحة العرب التي أتى بها ذلك الاتفاق، وفي تلك الأيام أخذ هو وصحافته يشنون هجوماً كلامياً ضارياً على أمريكا التي أنقذته من ورطة السويس وتمده بالقمح وبمساعدات اقتصادية أخرى، والسبب هو أنها نصحته بالكف عن المغامرات السياسية والكف عن الإضرار بمصالحها (فهذا ما أظهره كتاب الانفجار لهيكل)، بل إنه تحدى أمريكا بحوْلها وطوْلها، فازدرى -في خطاب ألقاه في إبريل من ذلك العام- المساعدات الأمريكية رغم ضروراتها لبلاده، وقال إنه يضعها تحت رجله، وإذا كان هذا لا يعجب أمريكا فلتشرب من البحر وإن لم يكفها البحر الأبيض فلتشرب من البحر الأحمر.. هكذا، وفي تلك الفترة أعدم سيد قطب ورفاقه بعد محاكمات بنيت على اتهامات ملفقة، إذ أخذت به الهواجس والظنون كل مأخذ حين علم أن تنظيماً قيل إن الإخوان المسلمين قد أقاموه، فظن أنهم يدبرون أمراً بليل رغم استحالة ذلك الأمر في ذلك الزمان، ليس هذا فحسب، بل أمر زبانيته في بيروت (قليلات وعصبته) باغتيال كامل مروة صاحب جريدة (الحياة)، فأغتيل، وكان ذنب المسكين أنه انتقد سياسات عبدالناصر وهاجم سياسة الضلال والإيهام، وأظهر ما أورثته حرب اليمن من شرذمة للعرب وانتكاسات لمصر، فقد كان صادقاً في قوله، إذ أبان أن تلك السياسات ألهت مصر عن إصلاح أمرها، وصَدفَتْها عن قضية فلسطين همّ العرب الأول، بل لم يرعوِ وهو (حامي العرب من العاديات) عن إلقاء الغاز السام على قرى كثيرة في اليمن فأباد الآلاف، وهو أمر لم نره في حربه مع اليهود، فغدا بذلك أسوة تأسى بها صدام، كما أن اعتقال مصطفى أمين وتلفيق اتهام له بالخيانة كان يسير في ركاب تلك القرارات العجيبة، رغم أن ذلك الصحفي كان له أوفى من الكلاب.. إلا أنه غدر به غدر الذئاب، ثم انقلب وهو زعيم اليسار في العالم العربي على رفاقه في العقيدة، إذ أمست العلائق بينه وبين البعثين بعث العراق وبعث سورية تشوبها الظنون، بل وصل به الحال إلى اجترائه على شن هجومات شخصية على أضداده في خطبه.. فقد بدا وهو يلقيها وكأن الشيطان قد تخبطه بمس.. إذ فاه بسباب ضد الملك فيصل (رحمه الله) لا يفوه بها إلا الطغام، وأغلب الظن أن سوْرةً باعثها ضرام غلّ تجيش به دائماً نفسه حين يخطب، وذلك بسبب الداء العياء الذي أصابه، فتْنبَهِمُ عليه الأمور، ثم يهذي بذاك الكلام الذي لا يُتصور أن يأتي من رئيس دولة، كل ذلك لم يكن خَافياً على اليهود، فهم ولا غرو ذوو باع في الختل والدهاء، كما أنهم درسوه نفسياً منذ أن تولى أقدار مصر، وكانوا على بينة من حالته الصحية والعقلية التي ضعضعتها النوائب، مدركين الاضطراب الذي اعتراه، فزاد من حدة طبعه وردات فعله العاطفية والعنيفة لكل أمر، ما مسَّ ذلك الأمر هيبته وغروره وزعامته كقائد للعرب وحام لذمارهم، بل ويعرفون أيضاً نوازع المغامرة التي كانت غلابة على وجدانه وتفكيره، فقد كان لا يبالي كما ذكرنا عن تجشم أي قرار سياسي أو إجراء عسكري مهما كانت غوائله، إذا خال أن فيه انعتاق له من المحن التي تهاوى فيها، فهو كما ذكرنا مغامر بطبعه أو (فهلوي) يرى أن السياسة من ضروب المغامرة، فقد بدرت منه أقوال في أول سني حياته السياسية تشي بطبعه هذا، وآية ذلك أنه كان يناقش أستاذاً في العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وقد شرح له ذلك الأستاذ المسكين تطور الأمور في دنيا السياسة هذه وأنها قد غدت معقدة، ومن ثم فإنه على أي زعيم قبل اتخاذ قرار أن يتأكد من أن القرار قد درس من قِبل مستشارين وخبراء من أهل الرأي والحجا، وأن لا يقدم عليه إلا بعد أن يوضحوا مزايا القرار وعيوبه، وبعد أن يتأكدوا أن المزايا غالبة، لكن عبدالناصر اتخذ من كلامه هذا هزواً، ثم راح يجيبه ساخراً (يا دكتور إن السياسة فهلوة). جمال عبد الناصر أعود إلى سياقي وأقول إن اليهود لم يتوانوا عن اهتبال تلك الفرصة في ذلك الوضع لنزاله في حرب سيكون لهم الغَلبُ فيها، فقد كانت قوتهم العسكرية في الذُرى، وكانوا يعرفون بأن جيش عبدالناصر من ناحية التسليح والتدريب لم يكن مضارعاً لجيشهم، ويعرفون كم أنهك ذلك الجيش في حرب غبية لا معنى لها في اليمن، ولم يغب عنهم الوهدة التي كانت فيها الحالة الاقتصادية في مصر وانعزاله عن غالب الدول العربية، عندها عزموا على إيقاعه في الشراك، ولا بدع أن أسرار تاريخ تلك الفترة ما ونت خابية، لكن الخفاء سيبرح وينجلي في آتي الأيام. المهم أنهم استدرجوه، وقد بدأ هذا حين تناهت إليه الأخبار في أوائل إبريل عام 1967 بأن حشوداً لإسرائيل على حدود سورية، وأنها انتوت غزوها، فأثارت تلك الأخبار حفائظه وقرر، بردة فعل عاطفية ودون التحقق من كنه تلك الأخبار وصدقها، إنزال جيشه في سيناء، دون أن يدري غائلة ذلك، ولا جرم فقراره بالنزول إلى حومات الوغى أعجب جماهير العرب التي ضللها سرفاً بأقوال ضالة مضلة عبر سنين طوال، فخالت أنه سيقضي على دولة اليهود بين عشية وضحاها، والأنكى أن إعجاب الناس جعل الموقف يستطيب له، فأذكى فيه نزعة المغامرة و(الفهلوة)، لهذا لم يلوْ على تقرير قائد جيشه (الجنرال فوزي) الذي أفاد بعد أن حامت طائرته على حدود سورية وإسرائيل بأنه لم يرَ تلك الحشود، ومرد ذلك أنه رأى قراره ذاك قد حقق له كسباً سياسياً لا يضاهى، وما عضّدَ تلك القناعة لديه، هو الأخبار التي أخذت عليه تترى عن (الهلع) الذي تولّى إسرائيل، والوجوم الذي ران على دوائر الغرب التي تظافرها، وكذلك ارتفاع صيته من المحيط إلى الخليج، والهياج الذي تولى العرب، والكسب السياسي الهائل الذي حققه فعلاً، فارتفع بذلك نجمه إلى ما كان عليه من شاهق في الأيام الخوالي، كل هذا جعله يتوهم أنه غدا في قوة ومنعة، بل جعله يجزم (وهو عن الحقائق هائم) بأن مغانم سياسية هائلة ستهمي عليه من تلك المناورة، وأنه بفهلوته ودهائه سيخرج ظافراً من دون أن يُلقي بنفسه في التهلكة، إذ سيضغط متسلحاً بالشعبية التي نالها على أمريكا لمنع وقوع حرب، وسيضغط عليها كي تستجيب لمطالبه، بل خال وكأنه قد ختل إسرائيل وغرّها بقراره ذاك وأنه بفعله هذا سينزل بها هزيمة سياسية تؤدي إلى تحجيمها وبداية النهاية لها، ولهذا فقد ازداد صلفاً وتيها.. فأوغل فيما ذهب إليه، لأنه بعد أيام من إرسال جيشه إلى سيناء، اتخذ قراراً آخر.. وذلك برده بالإيجاب على سؤال الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك (أوثانت) وما إذا كان يبتغي سحب القوات الدولية، بل أردف قراره هذا بقرار ثالث، وهو إقفال مضايق تيران، ثم أضاف إلى هذا استثارته لليهود بكلام عُجاب، فقد خطب في قاعدة عسكرية بسيناء أمام جيشه وقال (لقد قررنا قفل مضايق تيران، وإذا كانت إسرائيل تريد الحرب فأهلاً وسهلاً.. هكذا)، هنا جلياً للراسخين في العلم بدولة اليهود وأيضاً في دوائر السياسة العالمية أنه لن يبدأ الحرب، بل أكد هذا المنحى ساعده الأيمن والأيسر أي [صريح الأهرام] حين كتب في يوم الجمعة 2 يونيو مقالاً قال فيه (قد تبدأ الحرب، وسيبدؤها اليهود وسنتلقى الضربة ثم.. يكون النزال)، وقد أثبت التاريخ أن ما اجترأ عليه رئيسه كان عجباً من عجب، فقد كان نضاحاً بحقيقة لا ازورار عنها، وهي أن إنزاله الجيش في سيناء وما جاء في ركاب ذلك من تهاويل وهيلمان، كل هذا كان على سبيل المناورة أو الفهلوة، فبدا وكأنه لاعب بوكر دفع بكل ما لديه ظاناً أن غريمه سيتوهم بأن لديه من الأوراق ما سيكسب به الجولة فيحجم عن نزاله ولا يطالبه بتبيان ما عنده، ومن هنا ينجح في (بلف) الطرف الآخر ويخرج من الجولة ظافراً.. هكذا.. لكن الأمور سارت بما لا تشتهيه نفسه، إذ لم ينطلِ الأمر على اليهود وخبثهم.. فأقدموا على نزاله.. ووقعت الواقعة. في الحلقة المقبلة * فلسطين كلها ذهبت في يم الضياع وضاعت أقدار مصر والعرب في لعبة قمار * عبدالناصر راح يؤلب العسكر في بلاد العرب الأخرى على الشرعية، فانشغلت جيوش العرب بالسياسة