هذه المقولة الواردة بالعنوان لا تعني التقليل من أهمية الخبز، بقدر ما هي تنبيه لضرورة الاهتمام بجوانب أخرى... فالإنسان في حياته يحتاج إلى غذاء مادي ويحتاج إلى غذاء معنوي أيضاً، غذاء ينمي البدن ويمنح الطاقة.... وآخر يغذي الروح والوجدان.. فإن كانت بضع لقيمات (على صعوبة الحصول عليها في بعض الأحيان) كافية لملء بطنه وحشو مصرانه، فلا ينبغي بحال أن نغفل حاجته الماسة لعناصر العدل والخير والحرية والجمال والحب والحنان... فتحقيق التوازن بين الروح والجسد يحقق استواء الشخصية وتكاملها ويقي المجتمع من أعراض مرضية تهدد أمنه وسلامته وتعرقل مسيرته إلى الأمام.. واللافت للنظر والأدعى للحذر أن بعض الأسر في البلدان النامية أضحى شغلها الشاغل وعملها الدؤوب التعامل مع الشطر المادي وإغفال الجانب المعنوي وكأنه رفاهية لايستحقها الأبناء... وعليه يرفع الآباء لواء اللهاث خلف لقمة العيش... فلا فائض من عملات يستبدلون بها كيلو حب وحنان أو زوج سلام ووئام! فهل يستطيع الإنسان أن يبدع ويبتكر ويخترع في ظل مناخ يفتقد فيه للأمان وينعدم الأمل ويسوده القبح والكراهية والبغض والأحقاد والضغائن! إن نظرة واحدة نحو المجتمعات الناهضة الواثبة تجعلنا ندرك أهمية مخاطبة المشاعر والعزف على أوتار الأحاسيس بجمال الألحان وبهجة المشاهد فالياباني يضع على مائدة طعامه باقة زهور، وعلى أنغام الموسيقى الهادئة يتناوله..... في الوقت الذي يجلس فيه بعضنا إلى المائدة في حالة تجهم وغيظ... حانقاً وخانقاً الزهور ومحرماً الموسيقى والابتسام! والنتيجة البادية للعيان بون شاسع بيننا وبين تلك البلدان، رغم كون الإنسان هنا هو الإنسان هناك بلا مراء ولاجدال... ألسنا جميعاً أبناء آدم وحواء! أضف إلى ذلك ما اكتشفه العلماء من علاقة قوية بين الأمراض البدنية والحالة النفسية، كما أثبتوا بالدليل القاطع أن الاستقرار النفسي يساعد على سرعة الشفاء.. فهل نعجز بعد هذا عن الإجابة على السؤال: لماذا انتشر العنف وتوطنت العلل والأمراض وتخلفنا عن ركب التقدم؟!