انتهت قبل أسبوع من الآن الدورة الأولى لمهرجان الخليج السينمائي، ليطلق الجمهور السينمائي الخليجي، المعدود، زفرات الحسرة بمجرد إعلان لجنة التحكيم جوائزها، ليس لظلم في اختيار الفائزين، بالرغم من أن البعض شعر بذلك، بل لأن كل سينمائي خليجي، شعر وقتها، أن هذه اللحظات السينمائية الخليجية الفريدة لن يعيشها مرة أخرى إلا بعد عام من الآن، وأن وقت صنع الأفلام القصيرة في منطقة الخليج سيتوقف عاماً كاملاً، حتى قرب انتهاء موعد تسليم الأفلام في دورة العام المقبل، في انتفاضة سينمائية موسمية.. لنستعرض ما حدث خلال فترة انعقاد المهرجان من عروض أفلام وتوزيع جوائز، وما بينهما من أحداث، برؤية تحليلية لمستوى المهرجان والأفلام المشاركة. الأفلام الخليجية الروائية الطويلة بداية، من الخطأ أن نرى أن الأفلام الطويلة المشاركة في المهرجان، كامتداد للأفلام الخليجية القصيرة السابقة، فهناك فرق كبير جداً يمتد بطول تاريخ السينما كله ما بين بعض الأفلام الطويلة المشاركة في المهرجان، وما بين إطلاق لقب فيلم سينمائي فني عليها، أو حتى وصف أصحابها بالمخرجين السينمائيين، ويستثنى من ذلك الكلام الفيلم العراقي الفائز بالجائزة الأولى "أحلام". وهذا الحكم القاسي لا يراد به تحطيم مجاديف أمل أصحابها ونبذهم من العالم السينمائي، بل المقصود هو طردهم من العالم المهرجاني، فالأفلام الخليجية المشاركة يمكنني تقبلها كأفلام تزخر بها صالات السينما الخليجية والعربية، ولا يمكنني تقبلها في أي مهرجان سينمائي، مع ترجيحي لنجاح هذه الأفلام تجارياً وبشكل كبير في صالات السينما الخليجية، وخاصة فيلم "صباح الليل" لراشد الشمراني، لمحافظته وبذكاء على الروح الكوميدية السعودية التي نشاهدها في مسلسلات رمضان، لكن بنكهة سينمائية، مضمون نجاحها جماهيرياً. فمن الخطأ أن يتم التعامل مع فيلم "صباح الليل" أنه فيلم مهرجانات، فهو فيلم صنع لإمتاع الجمهور وجني الأرباح، بتفوق شاسع جداً عن فيلمنا السعودي الأول "كيف الحال" من نواحٍ فنية كثيرة. فتلك الأفلام الطويلة أتت من شخوص خارج الحركة السينمائية الخليجية التي بدأت منذ سنوات قريبة على شكل أفلام قصيرة، فهؤلاء الشباب هم من يجب عليهم أن يصنعوا سينما خليجية طويلة بعد أعوام من الآن، وهذا هو هدف مهرجان الخليج السينمائي، تخريج مخرجين خليجيين لعالم السينما، طالما أن الفيلم القصير يتم النظر إليه كوسيلة للوصول للفيلم الطويل، وليس كأداة تعبير فنية مستقلة بحد ذاتها، وهو أمر واضح لدى تركيبة معظم الأفلام القصيرة، التي هي طويلة في توجهها قصيرة في زمنها، فقصر الفيلم القصير يفهم هنا بمدته وليس باعتبارات فنية أخرى. وأنا لا أجرم مخرجي هذه الأعمال لعدم امتلاكهم الموارد والقدرات على إنتاج أفلام طويلة، لكني أطالب بشيء من الاحترام لهذا الفرع السينمائي الأصيل. وطالما أن مخرجي الأفلام الخليجية الطويلة، يتم الإشارة لهم بأنهم دخلاء على السينما، لاعتبارات كثيرة، من ضمنها البروز الواضح للتأثير التلفزيوني على أصحابها، فمن الصعوبة جداً الحكم على السينما الخليجية الطويلة التي هي وليدة اليوم، بناء على محاولات وتجارب أشخاص ليس لهم علاقة بالسينما، فالسينما الخليجية إن كتب لها أن تظهر يوما ما، فسيكون ظهورها على أكتاف مهرجان الخليج السينمائي، كدور رئيسي لهذا المهرجان الذي يبدو بأنه يواجه تحديات كبيرة. فبروز سينما محلية هو ببروز مهرجانها، وفي هذا هدف إستراتيجي ليس بالهين، فتقييم سينما خليجية لا زالت تحبو على سلم السينما أمر يفتقد للموضوعية. دور المهرجان اعتاد الكثيرون على طرح السؤال الشائك الذي يطارد مهرجانات المنطقة العربية كلها، والخليجية بشكل خاص، وأنا أقصد بكلامي اتهاماً لا زال يلصق بمهرجان دبي السينمائي الدولي، وسيتم تداوله مستقبلا لدى بروز اسم مهرجان الخليج السينمائي، وهو أثر المهرجان على منطقة لا تملك صناعة سينمائية، وباعترافي مبدئياً بصعوبة الإجابة على سؤال تنبؤي كهذا، سيجعل من استطرادي في الحديث عن هذا الأمر نوعاً من ضروب العبث، لكني أدعو في النهاية، أن الدور الذي يمارسه الإماراتيون بإقامة مهرجانات هي الوحيدة في المنطقة، دور ليس بالسهل أبدا، وهو نتاج همّ سينمائي كبير يحمله أصحابها، يجب أن يتحمله كل سينمائي عربي من إعلاميين ونقاد وصحفيين وحتى مهتمين. فبالإضافة إلى دور المهرجان في خلق حالة وعي سينمائي صحي ونشر ثقافة الفرجة على أبناء المنطقة يبرز الدور الإستراتيجي الحقيقي للمهرجان وهو تأهيل صناع أفلام وسينما حقيقية، ولنتساءل عن دور مهرجان بوسان الدولي الصاعد بقوة في دعم السينما الكورية؟!. السينما القصيرة إذا ما قرأنا مستوى الأفلام القصيرة المشاركة في دورة هذا العام كتطور طبيعي في مستوى الأفلام الخليجية السابقة، التي كانت تعرض في مسابقة أفلام من الإمارات، كوجهة أولى لصناع الفيلم القصير في منطقة الخليج قبل أن تتحول هذه الوجهة إلى مهرجان الخليج هذا العام، فسنلاحظ بعضاً من التطور الفني. فيمكننا ملاحظة انتشار الإنتاج المشترك والتعاون مع نجوم تلفزيونين وتطور في بعض التقنيات المستخدمة في السينما الإماراتية، مع استمرار التيمة التراثية التقليدية التي تعرف بها الأفلام الإماراتية. مع ملاحظة تميز الأفلام البحرينية بالسيناريوهات الجيدة، وتنوع مواضيع السينما الكويتية، ودخول أسماء سعودية جديدة لعالم الفيلم القصير. كل هذه المؤشرات يجب أن نقرأها على أنها مؤشرات لتطور السينما القصيرة الخليجية. وأحد المؤشرات الواضحة على نشر ثقافة الفيلم القصير في دولة الإمارات فقط، هو حجم المخرجين المشاركين في دورة هذا العام. مفارقات شهدت عروض الأفلام القصيرة حضورا بارزاً من قبل نجوم التلفزيون الخليجيين، من هيفاء حسين المشاركة بفيلم "مهمة طفل" "وعشاء" وزهرة عرفات بفيلم "جنة مريم"، والممثل الكويتي خالد الحربي والسعودي راشد الشمراني بفيلمه الطويل "صباح الليل" والقطري عبدالعزيز جاسم. وحرص أغلبهم على حضور ومشاهدة الأفلام السينمائية القصيرة من باب الإستفادة والإطلاع، كما حضر الفنان السعودي ناصر القصبي عرض الأفلام السعودية الطويلة "القرية المنسية" و"صباح الليل" وشهدت الأيام الأخيرة من المهرجان حضور الممثلة السعودية الناشئة رموز للإطلاع على تجارب الشباب السعودي. أثناء عرض فيلم الافتتاح البحريني "أربع بنات" وفيلم الرعب السعودي "القرية المنسية" والكويتي "الدنجوانة" لم يتمالك الجمهور الغفير نفسه أمام سخف بعض اللقطات وسوء تنفيذها ليطلق ضحكات عالية وصاخبة في الكثير من الأوقات. لم يتناسب عدد الأفلام المشاركة مع عدد أيام المهرجان لينتج عنها لحظات تعارض في أوقات عرض بعض الأفلام. أما نواحي التنظيم الأخرى فكانت في أفضل صورة، وبإمكاننا هنا ملاحظة حجم الخبرة التي يمتلكها المنظمون لتنظيمهم في السابق لمهرجان دبي السينمائي الدولي وحجم الدروس المستفادة من الإستشارات العديدة التي قدمها مهرجان تورنتو السينمائي في الأعوام السابقة التي وصلت حد الإمداد البشري في الموارد.