تقول اسطورة (حصان طروادة) التراثية: إن الاغريق ضربوا حصاراً حول مدينة طروادة، وهي مدينة بحرية تقع في آسيا الصغرى، بسبب قيام الأمير باريس ابن بريام ملك طروادة باختطاف السيدة هيلين ملكة اسبارطة احدى المدن الاغريقية (اليونانية) الشهيرة بفنون الحرب والقتال، فكان الحصار الاغريقي الذي دام سنوات، وعندما طال هذا الحصار بسبب صمود المدينة وبسالة الطرواديين، ابتكر الاغريق بالصدفة حيلة تمكنهم من فتح طروادة بسهولة ودون قتال، وذلك انهم صنعوا حصاناً خشبياً، كبيراً ومجوفاً بحيث يستوعب في داخله بعض المقاتلين الاشداء، وبالفعل دخل فيه مجموعة من محاربي الاغريق بقيادة اوديسيوس بينما انسحب الجيش مختبئاً خلف تلال قريبة وراحت قيادته ترصد الموقف، وفي الصباح استيقظ الطرواديون على رحيل الجيش الاغريقي، لكنهم فوجئوا بهذا الحصان الخشبي العملاق، وعن طريق جاسوس اغريقي يدعى سينون اقتنع قادة طروادة ان الاغريق اليونانيين قد تركوا الحصان (هدية سلام وعربون محبة) بعد سنوات الحرب الطويلة التي انهكت الفريقين، فأدخلوه الى وسط مدينة طروادة، ثم اقاموا الاحتفال الكبير ليلاً بنهاية الحرب وانسحاب العدو. عندما جن الليل ونام الطرواديون بفعل الرقص والسكر تسللت المجموعة الاغريقية من جوف الحصان وفتحت ابواب المدينة للمقاتلين الاغريق الذين اندفعوا نحو المدينة واستباحوها تقتيلاً وتدميراً وسبياً وهتكاً للاعراض، وبهذا تنتهي هذه الاسطورة التراثية، ليبدأ الفكر الطروادي في النشوء خلال مراحل التاريخ وفي منعطفات السياسة والاحداث العسكرية الكبرى، حتى برز اليوم بذلك الفكر الذي يعبر عن مكامن الخطورة في الدعوات المضللة والأفكار الجديدة (الخداعة) وما يتركه العدو او الآخر من هدايا تحت شعار (الصداقة) او يقدمه من هبات باسم (السلام) هي في حقيقتها امور تبدو في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب، لانها تعمل على اختراق الثوابت التاريخية للأمة ومرجعيتها الدينية، والعبث بمنظومة قيمها العليا. ولعل اقرب مثال لذلك ما يجري اليوم في الساحة الإسلامية عموماً والمنطقة العربية على وجه الخصوص، من دعوات فكرية أو شعارات سياسية أو ملتقيات إعلامية، لذلك لا تستغرب من حيرة الأمة وهي تتحصن بمرجعيتها الدينية ف(احصنة) طروادة كثيرة: حصان (التنوير) لتسويق الفكر الغربي، وحصان (الحرية والديمقراطية) لتكريس الاحتلال وانهاء المقاومة وفقاً لمصلحة المشروع الصهيوني، وحصان (العولمة) لفرض النظام الاقتصادي الرأسمالي، وحصان (حرية التعبير) لاسقاط مسألة المقدس في المفهوم الديني وغيرها مما نشاهده من خلف اسوار الأمة.