لم يشاهده أصحابه يوماً يذرف دمعة واحدة رغم السنوات الطوال التي جمعتهم معه، فحتى في المصائب الجسام التي كانت تمر عليه كان يقف كجبل شامخ لا تهزه الرياح العاتية، وهو ما جعل المقربين منه يكنونه ب "أبو جبل". أبو جبل هو رجل في مطلع العقد السادس من عمره من أهالي مدينة الخبر واسمه الحقيقي راشد الدوسري، لم يجد ما يعبّر به وهو يرى نادي القادسية الذي تعلق به وهو لم يتجاوز الثامنة من عمره وهو يهوي للدرجة الأولى إلا أن يذرف دمعة ساخنة، راحت تسيل على خده الذي أخذت تجاعيد الزمن ترسم علامتها عليه، أعقبها بكلمات قليلة راح يتمتم بها لكنها كانت تختزل واقع القادسية المر. الدوسري كان يشاهد مباراة القادسية والطائي في حائل والتي أعلنت وداع القادسية للأضواء مع رفاق دربه في حب القادسية في ديوانيتهم القديمة بحي "الصبيخة" والتي ظلت تجمعهم طوال تلك السنين، ولم يجد سبيلاً ليواري دمعته التي ظن أن أحداً لم يشاهدها سوى جملة مقتضبة حيث قال: انتهت اللعبة. ولأن "أبو جبل" من موظفي شركة أرامكو الذين اعتادوا على تدبيج عباراتهم بجمل انجليزية كان طبيعياً أن يضيف على جملته السابقة ليقول: )شوم افٍم ىَّ دًّمء( وكأنه يريد أن يؤكد على حل بالقادسية بكلتا اللغتين!!. الدوسري قال جملته وذرف دمعته العزيزة، وهو كمن أنهى مشاهدة مسلسل درامي حزين، وكأني به لم يجانب الواقع كيف لا والأحداث التي صاحبت القادسية منذ تولي جاسم الياقوت رئاسة النادي منذ العام 1997م كانت أشبه ما تكون بالمسلسلات المكسيكية الطويلة، المثيرة بالأحداث المتشابكة تارة والرتيبة بطول السيناريو تارة أخرى وبين هذه وتلك أحداث صاخبة تزيد الحبكة تعقيداً والنهاية منطقية وهي ما أفضت في نهاية المطاف إلى موت البطل. بطل القصة كان هو القادسية الكيان، وما عاده كانوا لا يتجاوزون دور ممثلي الصف الثاني بل ان البعض منهم كان لا يتجاوز دوره "الكومبارس" لكن رغم ذاك فإن المخرج أتقن بشكل احترافي وببراعة متناهية كما في أفلام "هوليود" الأمريكية، وللانصاف فهي أقرب إلى أفلام "بوليود" الهندية إذ أعطى كل واحد منهم دوراً أشبه ما يكون بدور البطولة المطلقة فنجح الجميع باتقان في النهاية الحتمية بموت البطل. القادسية هذا الفريق الذي كان يوماً ما "عريس آسيا" يوم أن توج باللقب القاري في العام 1994وقبل ذلك حينما حقق لقب كأس ولي العهد عام 1992م، لا يستحق - أبداً - أن يودع الأضواء ليوارى في دوري المظاليم حيث الدرجة الأولى، وقد يقول قائل ان استحضار الماضي البعيد ليس مجدياً في توصيف الواقع، وإنما هو ضرب من البكاء على الأطلال، وفي مثل هذا القول رجاحة.. إذاً فليكن الحديث عن القادسية الجديد. القادسية الجديد هو الذي بلغ المربع الذهبي وحقق المركز الثالث بين فرق الدوري قبل خمسة مواسم وتحديداً في موسم 2003م، وهو نفسه الذي وصل لنهائي كأس سمو ولي العهد في موسم 2005م أي قبل ثلاثة مواسم فقط، وهو نفسه الذي قدم للكرة السعودية نجمين يعدان من ألمع النجوم على الساحة الكروية في المملكة وهما ياسر القحطاني وسعود كريري، وهو أيضاً الذي قدم مواهب فذة تتصارع الأندية الكبيرة لاختطافها كيوسف السالم ومحمد السهلاوي وعبدالمطلب الطريدي وعبدالملك الخيبري وصالح الغوينم، وهو نفسه الذي حرك المياه الراكدة في كرة المنطقة الشرقية ليعيد الاتفاق بطلاً من جديد بعد أن كان غائباً عن المنافسة خلال أكثر من عقد كامل. نعم، هذا هو القادسية الذي نقول انه لا يستحق الهبوط لكن كيف هبط إذاً، في حين بقي من لا يملك شيئاً مما يملكه؟!. هبوط القادسية جاء على طريقة "بيدي لا بيد عمرو"، فالصراع بين أبناء القادسية باسم الحب للقادسية الكيان هو الذي خلف القادسية كجثة هامدة كما وصفه علي بادغيش قبل فترة، وهي - حقاً - كلمة حق، ولكن أريد بها باطل، فلا أحد يخفى عليه أحد بادغيش نفسه هو أحد أهم أقطاب الصراع في البيت القدساوي. نحن واثقون أن كلا الفريقين المتصارعين في القادسية سيعودان ليتبادلا التهم ليحمِّل كل طرف الآخر مسؤولية سقوط القادسية، وكل طرف منهما سيدعي انه كان الأحرص على النادي، والأكثر خوفاً عليه، وكأني بالشاعر الذي وصف حال مدعي حب "ليلى" قد عنى القدساويين من حب لا يدري إذ قال: وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك إذا اشتبكت دموع في جفون تبين من بكى ممن تباكى وها هو الحال ينطبق عليهم إذ سيخرج الجميع متباكين على ما حل بالقادسية غير أن التاريخ لن يرحمهم جميعاً فهم دون استثناء من حوّل النادي إلى ساحة لتصفية الحسابات كل بطريقته الخاصة ووفق أجندته المعلنة أو غير المعلنة. ولا بأس أن نذكر بمقولة أحد كبار القادسية الذي قال على رؤوس الأشهاد يوم أن اشتد الصراع بينه وبين مناوئيه: "تسلمت القادسية في الدرجة الأولى وسأعيده للدرجة الأولى، ومن يريده فليأخذه من هناك"!! وحيث إن القادسية هوى للدرجة الأولى فلا نقول إلا كما قال راشد الدوسري: انتهت اللعبة!!