في المسلسل المصري القديم "ساكن قصادي" والذي قامت ببطولته الراحلة المبدعة سناء جميل والممثلة القديرة، خيرية أحمد حيث الجيرة تجمعهما في فيلا مشتركة، ورغم هذه الجيرة والتقارب إلاّ أنهما يختلفان دائماً على منور الفيلا، وتقوم خيرية أحمد البلدي بالردح لسناء جميل وهي المرأة الشيك والتي لم تعتد على ذلك وتكيل لها الشتائم بكل الألوان فتضطر سناء جميل إلى الاستعانة بفرقة ردح "محترمة" لتقف تحت الفيلا وتبدأ في مناداة خيرية أحمد، ومن ثم شتمها والردح لها بألفاظ وعبارات سوقية ومنتقاة بل وأغلبها غير حقيقي لكنه مستفز ويكاد يكان محفوظاً لهذه الفرقة التي تمارس هذه المهنة منذ أزمنة كالطقاقات حيث تؤدي الدور المطلوب منها، بعد ان تأخذ ممن استأجرها معلومات عامة عن الشخص الذي ينبغي ان يردح له وخطوطاً عريضة، يمكنها بعدها صياغة البقية واللي ما يشتري يتفرج من خلق الله. لا أعرف لماذا لم أستطع ان أنسى هذا الفاصل الممتع من الردح في المسلسل وهذه الإمكانات الرائعة لهؤلاء النساء المتلفعات بالأسود، واللاتي بمجرد ان ينتهين من مهمتهن يغادرن المكان بعد استلام كافة حقوقهن والتأكيد على أنهن في الخدمة دائماً. منذ أيام قرأت في صحيفة الأهرام بأن هناك فرقة مهمتها النواح والعويل والصراخ والبكاء تتألف من السيدات والأطفال دورها اللطم على الخدود.. (وبالساعة) فعندما يصدر قرار بإزالة مبنى أو نشاط مخالف بلا ترخيص تتأهب الداخلية بالتنفيذ وهنا يؤجر "المخالف" فرقاً من النسوة والأطفال مهمتها أداء فاصل من العويل أمام الضباط والجنود لإثارة مشاعر الحزن بالشارع، وتضطر القوة إلى إرجاء التنفيذ. وبعيداً عن مصر التي تكون فيها الشتائم والردح متبادلة أحياناً إلاّ أنها من طرف فردي في الغالب وهجومي يشل حركة الطرف الآخر الذهنية ويحول بينه وبين الرد السريع مهما كانت قدراته وإمكاناته في التصرف. ويربكه ويجعله عاجزاً عن التفكير بسرعة .. بدأ في الهند مؤخراً المهرجان السنوي المخصص لتبادل الشتائم بين أبناء قريتين متجاورتين تقعان في شمال مقاطعة اوتارا الهندية ويهدف المهرجان إلى افراغ الغضب الذي خلفته واقعة قديمة عندما ضلت بعض الفتيات من قرية (كاكجوان) طريقهن في الليل قرب قرية (راجبور) المجاورة ووفر أحد أبناء تلك القرية الثانية مكاناً لنوم الفتيات وعندما علم أهل قريتهن بالخبر في الصباح تملكهم الغضب وذهبوا يكيلون الشتائم لأهل القرية وأرغموا رجالها على الزواج من بناتهم. وإذا كان الأغلبية يعتقدون ان الشتائم سلوكا همجي وقوة معطلة للجمال، وكارثة على التحضر فإن البعض يرى انه ينفس عن نفسه عندما يشتم أحدهم وان حكاية تأجير رداحات فكرة ممتازة ومبتكرة، وقد تشفي غليله من أحدهم وبالذات إن هو أعطاهم تاريخه كاملاً ومع إضافة الرداحات المعتادة. وان الشتيمة حق طبيعي مثلها مثل الحديث، وليس كما يعتقد البعض أنها خط أحمر ينبغي أن نخطه، جامعة بريطانية أجرت دراسة وأثبتت من خلالها ان الاستخدام المعتاد الألفاظ السوقية يمكن ان يعبر عن التضامن بين طاقم العمل ويعززه، ويمكن العاملين من التعبير عما بداخلهم من مشاعر، مثل مشاعر الاحباط فضلاً عن تطوير علاقات اجتماعية وقال الباحثون ان لاستخدام اللغة غير التقليدي، وغير المهذب أحياناً في العمل ربما يكون له تأثير ايجابي كما ان هذه اللغة تعد آلية للتكيف مع الضغط ولذا فإن حظرها قد يؤدي لنتيجة عكسية .. ما يمكن ان نتوقف عنده بتفكير أن ضبط المشاعر السلبية والحفاظ على رباطة الجاش، والتحكم في لحظة الغضب قدرة خارقة، وفلسفة حقيقية للتعامل مع الحياة بهدوء ، وعدم الانجراف إلى ما ينبغي الآخرون رؤيته؟ لكن هل جربتم الانفعال العنيف، والشتائم المريرة؟ هل استمتعتم بخناقة في الشارع، أو أماكن العمل أو عائلية بين أفراد انفجروا فجأة؟ هل استمتعتم بلقافة أحدهم تدخل دون طلب للشتم؟ وهل صحيح ان الشتائم لا تحمل أي ايجابية لأي طرف الشاتم والمشتوم؟ ولماذا يضحك البعض عندما يحضرون خناقة رغم المرار الذي يتكبده المشتوم وعصبية الشاتم؟ طبعاً بعيداً عن متعة رداحات مصر اللاتي يؤدين مهمة فقط بمقابل مادي.