خالد الغنامي - الوطن السعودية شاهدت كغيري حلقة «طاش ما طاش» والتي كانت بعنوان «لا تجسسوا» والتي أخذ عليها الناس أنها أظهرت المرأة السعودية المتدينة الداعية للدين على أنها امرأة شبقة تلاحق الرجال المتزوجين لاختطافهم من نسائهم, بعد أن كانت تنصح النساء بالتجسس على الأزواج ومتابعتهم لكي لا يقعوا في خطيئة العلاقة المحرمة مع امرأة أخرى, والحق من وجهة نظري, أن هذه الحلقة قد أساءت ووقعت في خطأ كبير وجسيم لو تأملناها بتجرد وإنصاف وابتعدنا عن روح الخصام والخلافات. ما أوصلني لهذه النتيجة هو مجموعة من النقاط التي ينبني بعضها على بعض, النقطة الأولى يفرزها التساؤل: هل يمكن أن تكون المرأة المتدينة الداعية بهذه الصورة التي صورتها الحلقة؟ «مغازلجية» تلاحق الرجال الغرباء بالاتصالات والمواعيد الغرامية؟! ما نعرفه عن المرأة المتدينة, فضلاً عن الداعية, هو نقيض هذا الذي طرح في تلك الحلقة, بل هي الأبعد عن ذلك, ولو فرضنا أن حالات شاذة ونادرة هي من وقع منها ممارسات تشبه تلك التي صورها «طاش» فهل يجوز تسليط الأضواء على ذلك الشذوذ بحيث يبدو وكأنه سمة للمرأة المتدينة؟ الجواب هو بالطبع لا, فالشاذ لا حكم له ومن يمارس تلك الممارسات الخاطئة هو وحده مسؤول عنها وليس تياره ولا الخط الفكري الذي ينتمي إليه, فالأفراد وممارساتهم شيء والخط الفكري العريض شيء منفصل عنه وحال التطبيق يختلف عن حال التنظير, والحلقة لم تكن موجهة لفرد وإنما كانت ضربة تحت الحزام لتيار عريض. إذا وصلنا لهذه النقطة, فالنقطة الثانية هي في التفتيش عن الدافع لعمل تلك الحلقة: يبدو لي الأمر وكأنه جزء من المعركة التي بدأت ولم تنته بعد بين فريق طاش وبين التيار المتدين, وكأن الحلقة جزء من الضربات المتبادلة بين الطرفين, صحيح أن فريق طاش تم التعرض لهم و سبّهم و شتم أعراضهم في بعض المنتديات الإسلامية بلغة الإسلام منها براء, و بكلام فاحش بذيء و بطريقة فيها خلل كبير, لكن «ما هكذا تورد الإبل يا طاش» الأعراض أمرها عظيم, وليس من الجائز ديناً و لا خلقاً أن تسب عرض من سب عرضك, فشتم الأعراض منقصة ومذمة للشاتم قبل المشتوم, ولا مجد فيه ولا نبل. الفنان إنسان يحمل رسالة لمجتمعه وهذه الرسالة أساسها المحبة والرحمة والسلام, وكم من الفنانين والمثقفين تم التعرض لهم بالتجريح الشخصي والبهتان ونشر الأكاذيب والأباطيل التي لا حقيقة لها, فلم ينتقلوا إلى هذا النزول بالخلاف نحو الحضيض, ما رأيناه, بصراحة, كان «انتقاماً» من تلك الشتائم والسباب والموقف الحاد, والانتقام شعور إنساني دنيء ولا يمكن أن يرتجى منه سوى مزيد من تفرق المجتمع وغرقه في روح العداوات التي لن تنتهي والتي, بطبيعة الحال, لن نستفيد منها إلا مزيداً من التمزق المجتمعي والمزيد من اصطفاف المتحاربين على طريقة «هذا من شيعتنا وهذا من عدونا». العقلاء من كل تيارات المجتمع يسعون للتصالح من أجل الوطن, والتصالح لا يمكن أن يتم إلا بإظهار الاحترام الكامل لكل الأطراف, ومن الاحترام ينطلق الناس إلى «التفهم» وتقدير دوافع وأسباب الآخر, وعندها تذهب زفرات الغضب وتختفي روح العداوة, خصوصاً عندما يجلس الناس مع بعضهم على طاولة واحدة ويتحدثون, وعندما تسقط من الصورة روح العداوة يسعى كل طرف للتنازل لأخيه عما لا يراه ضرورياً, هذا ما يفعله العقلاء منذ عصور التاريخ الأولى, أما التشاتم الذي يذهب لمناطق شديدة الانخفاض فلا ينفع الناس ولا أوطانهم, ليس سوى فورات غضب ونوازع انتقام.