قرأتُ في مجلة اليمامة عن مواصفات الفاشل المعروفة، والتي حددها خبراء النفس على النحو التالي: أنه يطلق الوعود جزافاً... أنه يظل يلف ويدور حول المشكلة التي يواجهها... وأنه يمقت الناجحين ويترصد مثالبهم.. ويرضى بالحلول الوسط في الأمور الأساسية ويواجه في الأمور الفرعية التي لا تستحق المواجهة. لا يهتم إلا بمحيط عمله الضيق فقط.. ويتوجس في قرارة نفسه من النجاح ويتبجح بأن هناك من هم أسوأ منه حالاً بكثير... ويسعى لاكتساب محبة الناس لشخصه أكثر من إعجابهم بمواقفه ومستعد أن يتحمل ببعض الازدراء ثمناً لذلك... كما أنه يتنكر للخطأ قائلاً... هذه ليست غلطتي أنا... ثم انه يعتذر ويعيد ارتكاب نفس الخطر.. إضافة إلى أنه كسول ومضيّع للوقت... ويتحرك بسرعتين فقط... سرعة جنونية وأخرى بطيئة جداً.. يفتقر إلى الدماثة، فهو إما أن يكون خنوعاً وإما مستبداً على التوالي.. كما أنه يغلف الأمور ويشوشها.. ويتحفز للكلام بلا هوادة... وأخيراً هومقلد، ويتبع الروتين باستمرار، وبليد ومثبط للعزائم. وخلال ذلك يأتي ما هو أهم في مواصفاته، وما هو منهج خاص لحياته وما يدخل في نطاق الاستهلاك اليومي للهروب من مواجهة الفشل وهو اتهامه السحر والعين والجن والناس أجمعين بكونهم السبب في فشله. وإذا تركنا المواصفات الأولى والمقاييس الموضوعية لقياس مستوى فشله نجد أن كارثة توشك أن تحل بنا في الفترة الأخيرة، وهي تجيير كل هزائم الحياة، وكل فشل وعدم قدرة على تحقيق أي نجاح سواء كان لقصور الشخص، أو صعوبة هذا التحقق لأسباب عديدة .. يجيّرها إلى العين. كل الذين لن يوفقوا في دراستهم لأسباب إما عائلية، أو نفسية، أو حتى قدرات ذهنية جيّروا فشلهم للعين. كل من ترك عمله أو أهمل حياته تسببت العين في ذلك، كل من فشل زواجه عزاه إلى العين وما أكثر هذه العيون. المرضى أغلبهم أسباب مرضهم العين، وتجد من يبرر هذا ويشرح لك السبب بأن المريض كان ناجحاً، ومتعافياً لكن عيناً لا تصلي على النبي قد ضربته، وأمرضته وهو لذلك يلجأ إلى المشايخ للعلاج، تاركاً المستشفيات وعلاجها، كل متخلف عن الركب من المؤكد أن عيناً قد أصابته، وأن فلاناً قد تسلط عليه بعينه حتى أصابه هذا التأخر، حتى لاعبي الكرة أصبحوا يذهبون إلى المشايخ للقراءة عليهم من العين بدلاً من تكثيف التمارين. امرأة شاهدتها منذ أيام مريضة مرضاً ما وظللت أحاول الاطمئنان عليها، وهي تحاول أن تشرح لي أن سبب مرضها أنها شيدت منزلاً، فدخلت عيون من حولها فيها وأصابوها بالمرض، ورغم أن أبعد الأبعدين قد توضأ لها إلا أنها لا تزال مريضة. هذا الإفلاس الفكري لتحليل الأمور ومحاولة معرفة مواطن الخلل لدى كل شخص وعلاجها يجعل المسؤولية تتوه تماماً، وخصوصاً إذا عرفنا أن من لم يكن مصاباً بالعين فهو مسحور، ممن؟ من المؤكد أن هناك سحرة، طالما يوجد مسحورون، وهناك مشعوذون لتبديد السحر .. إنه بلا شك رزق الهبل على المجانين، نحن لا نتجاهل وجود العين وانها حق، ووجود السحر، ولكن لا يمكن أن يصبح ذلك استهلاكاً يومياً للهروب من المواجهة، وتعطيل الإرادة، ونشر الإفلاس، والتحصن داخل قلاع لا يدور داخلها سوى تكريس مثل هذه الأفكار التي تجد من يغذيها، في ظل ازدياد من يعتقدون أن ما يجري لهم سببه العين فقط وليس عجزهم، أو مسؤوليتهم المطلقة في ذلك مع محاولات جادة ومكثفة لتهميش العقل، والعلم، وعلاج المشاكل بطريقة تحترم محاولة تحقيق الغايات والنجاح عن طريق الاحساس بالمسؤولية، بعيداً عن الانطواء تحت مظلة مفاهيم فئة تسعى إلى تكريس انعدام معايير الحساب تماماً، ومحاولة استدعاء إنقاذ العين للخروج من مأزق الفشل.