أكدت إحصاءات حديثة لمنظمة الصحة العالمية ازدياد وتفشي المرض النفسي على مستوى العالم، حيث بلغ عدد المرضى النفسيين أكثر من 500 مليون مريض، منهم150 مليوناً يعانون من الاكتئاب، و38 مليوناً يعانون من مرض الفصام، إلى جانب تسعين مليوناً يعانون من تعاطي المخدرات،وتوقع خبراء بالمنظمة أن يحتل مرض الاكتئاب المرتبة الثانية عالمياً بحلول عام 2020م . “الشرق” فتحت قضية المرض النفسي، وتشخيصه، واستنطقت عددا من الأطباء النفسيين وعلماء الدين، الذين تباينت آراؤهم حول تشخيص حالة المرض النفسي وعلاقته بالسحر أو العين أو المس، فمنهم من استدل بوجود قرائن مادية، وآثار ملموسة، توضح علاقة المرض النفسي بها، فيما يرى آخرون أن الجزم بحالة المريض واختزال المرض في السحر أوالعين أو المس غير منطقي، لكونها أمورا غيبية، مؤكدين أن تشابه الأمور يوقع الإنسان في حيرة، ومنهم من أكد أن الأحاديث الواردة في الكتاب والسنة لا تعطي مؤشرا كافيا بالحكم على نوع الحالة المرضية، وشددوا على أن ما يقوم به الرقاة من كشف لهوية المرض “الغيبي” يتسبب في مشكلات اجتماعية خطيرة قد تؤدي إلى القتل أو التشكيك، ومضاعفة المشكلة وزيادة الأمور تعقيدا ويوقعه في دائرة الأوهام بتعطيل قدرات المريض وشل إرادته، وتطرقوا إلى العديد من جوانب القضية المختلفة في ثنايا الأسطر التالية.. أمور غيبيّة يقول البروفيسور عبد الله بن سلطان السبيعي أستاذ الطب النفسي في كلية الطب بجامعة الملك سعود “لا يمكن للأطباء النفسيين أو الرقاة أو أي شخص الجزم بتشخيص الحالة المرضية لشخص ما والقول بأنه مصاب بعين أو سحر” موضحا أن هذه تعد ( أمورا غيبيّة ). وأضاف قائلاً:”لا يوجد تعارض بأن يكون المريض يعاني من مشاكل نفسية بسبب العين، فقد ورد في الحديث الشريف “إن العين تورد الرجل القبر وتورد الجمل القدر”، فليس بالضرورة أن العين تفضي إلى الموت بل تكون سببا في الإصابة بمرض خطير ثم يموت”. مبيناً أن تسطيح الأمور ووصف المريض بأنه مصاب بعين أو جن أو سحر يتسبب في تعطيل قدراته وشل إرادته بوضعه بين شخص عائن وآخر معالج مبينا أنه بهذه الطريقة لن يمنح المريض فرصة محاولة إصلاح نفسه أو تعديل سلوكه أو عمل أي شيء في سبيل الخروج من دائرة مرضه. وأوضح أنه لا يمكن اختزال أمراض الإنسان في السحر، العين، والجن، وقال:”للأسف إن أكثر الرقاة ليس لديهم إلا هذه الأمراض الثلاثة “، مبينا أن الطب النفسي يعالج أمراضاً كثيرة. وعن تأثير الرقاة في تأزم الحالات النفسية وتهويل الأمراض النفسية عند المرضى، قال السبيعي”الرقاة بشر فيهم الجيد والسيئ كما في الطب البشري فنجد طبيبا جيدا وآخر سيئا، وإن مدار العمل يرجع إلى حسن النية بالإضافة إلى التصرف أو السلوك أو الممارسة الجيدة فقد يحدث أحيانا ممارسات بعيدة عن الدين كما حدث لأحد المرضى الذين يراجعونني حيث ذهب إلى شيخ لرقيه وقام بصعقه بكهرباء بدعوى إخراج الجني، وأنا أتساءل :لماذا الصعق الكهربائي؟. وأكد السبيعي أنه لا يقدح في نوايا الرقاة ولو مارسوها بطريقة خاطئة ولكن طريقتهم أحيانا مجانبة للصواب لتحمسهم الزائد، مشيراً إلى أن التشخيص الخاطئ لحالة المريض قد يفاقم حالته الصحية، وشدد على ضرورة الممارسة الصحيحة للرقية وعدم تجاوز حدود القراءة. وقال:” لا يصح أن يقال للمريض أنك مصاب بعين، أوعين قوية أو أنت محسود أو أنت مسحور دون امتلاك أدلة إثبات قطعية للحالة المرضية، فهنا يفتح باب الشك في الأقارب من أهل بيته أو جيرانه فيوقع الناس في مشكلات اجتماعية معقدة.” تشخيص الحالة ويرى المستشار النفسي الدكتور ظافر القحطاني أن الطبيب النفسي المتخصص لديه أدوات وأعراض مرضية تمكنه من تشخيص أي مرض أو اضطراب متى ما توفرت هذه الأعراض وطبق أدواته ومقاييسه على الحالة التي أمامه، يمكن أن يشخص الحالة والحكم عليها، مبيناً أن الطبيب النفسي لا يستطيع تشخيص أن المريض مصاب بعين أو سحر أو مس . وأكد القحطاني أنه قد يتضح لبعض الرقاة المعروفين والمشهود لهم بالتقوى والإيمان أن الشخص يعاني من أعراض العين أو السحر أو الجن ويحتاج لمداومة على قراءة القرآن أو الاستشفاء عن طريق الرقاة مشيرا إلى أن الشخص المتخصص في هذه الأمور ولديه خلفية دينية عليه أن يقدم نصحه للمريض بأن يرقي نفسه بنفسه، ويقرأ ويذكر أوراده التي تبعد عنه هذه الاضطرابات. وأضاف القحطاني، قائلاً “إن كثيرا من المصابين بأمراض أو اضطرابات نفسية يلجؤون لرقاة غير موثوق بهم من الذين يتخذون الرقية مصدرا لجمع المال، فيجب على من يعاني من اضطرابات نفسية يعرض نفسه في البدايات على شخص مختص في الطب النفسي ليتم تشخيص الحالة هل هي نفسية أم غير ذلك.”؟، مضيفا أن بعض المشكلات من السهل السيطرة عليها في وقت مبكر إذا ما شخصت في حينها. ومؤكداً أن ذهاب المريض لراق غير متمكن يزيد الأمور تعقيدا ويوقعه في دائرة الأوهام بأن لديه سحرا أو عينا أو مسّا وتتضاعف المشكلة. حكمة ربانية وقال البروفيسور طارق الحبيب إن الرقاة أو الأطباء لا يستطيعون الجزم مائة بالمائة بأن الشخص المريض الذي يعاني اضطرابات نفسية مصاب بأعراض مسّ أو سحر أو عين موضحا أن الأعراض الواردة في الكتاب والسنة عن السحر أو المس أو العين أعراض عامة وليست دقيقة. وأشار الحبيب إلى أن الأحاديث الواردة لا تعطي مؤشرات كافية بالحكم على الشخص أو إصابته مؤكدا في الوقت ذاته أن الجن والسحر والعين حقائق. وتابع أن الجزم بالتشخيص قد يتعذر لأن الوصف الوارد في الأعراض ليس دقيقا لحكمة ربانية مشيرا إلى وجود رقاة وأطباء متعجلين، وقال “لا أرى تشديد اللوم على الرقاة وتخفيفه على الأطباء مبينا أن اللوم يتجه لكل مقصر أو مستعجل أيا كان توجهه ولفت الحبيب في حديثه أن له كتابان في هذا الموضوع الكتاب الأول” العلاج النفسي والعلاج بالقرآن ” والثاني بعنوان “مفاهيم خاطئة عن الطب النفسي”. أمر خطير يؤكد الداعية حسن القعود أنه لابد من الإيمان بوجود مسألة (السحر والعين والمسّ) مشيرا إلى أن تشابه الأمور يوقع الإنسان في حيرة من أمره وتساءل: كيف نقطع ونجزم بأن فلانا مصاب بسحر أو مسّ أو عين؟ وأضاف القعود: ” إن من الرقاة من هو ملبوس في نفسه ويشك في عقله وتصرفاته وكلماته ، فالراقي صاحب المعرفة الصادق يجمع القرائن الدالة على العين أو السحر أو المسّ، وإذا تكررت مع المريض نفس الحالة وتأثر بتلاوة آيات السحر دون أن يقطع جازما بإصابته بسحر أو عين أو مس لأن هذا الأمر خطير قد يقضي على مستقبل المريض ولربما تتولد لديه الشكوك، ويحدث هناك شقاق ونزاع وأمور قد تتطور إلى حد القتل أحيانا فيتسبب فيها الراقي، وعلى الرقاة عدم الجزم وتشخيص الحالة بشكل قطعي ولكن يقولون ربما، وربما وأفعل كذا وكذا” وذكر القعود قصة حدثت معه حيث قال :” كنت جالسا عند فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وجاء فلان من الناس وقال: إن فلانا قرأ عليّ وتكلم الجان الذي فيّ على لساني وقال: إن التي سحرتك فلانة بنت فلان وطلب رأي الشيخ في هذا الكلام فقال له الشيخ ابن باز:هؤلاء كذابون فلا يصدّق قولهم .” وأضاف القعود :” يجب ألا نجزم أو نقطع بتشخيص الحالة ولو تكلم الجان على لسان المريض، فلم يذكر أن أحدا من السلف تفرغ أو جلس للرقية الشرعية ولكننا لا نشدّد ونقول هذا أمر لا يجوز.” وأشار القعود إلى ظهور قرّاء أغرتهم الدنيا والتكسب بالقرآن على حساب الضعفاء والمساكين الذين يتشبثون بأقوالهم ويوهمونهم، داعيا الرقاة بأن يتقوا الله في قراءتهم والأموال التي يأخذونها. أدلة وقرائن وأكد الشيخ محمد بن صالح المنجد أنه يمكن الجزم بإصابة الشخص بالعين أو السحر أو المس، وقال:”إذا وجدت الأدلة والقرائن كالعثور على خصلات شعر عليها عقد أو أشياء مادية تدل دلالة واضحة على وجود السحر، خاصة في الإصابة بحالة مرضية تمنع الشخص من أن يأتي أهله، ويكون قد أجرى فحوصات طبية أثبتت خلوه من الأمراض العضوية.” وأضاف :” هناك دلالات واضحة وأخرى غير واضحة فلا نجزم بأن هذا سحر أو عين أو مس أو جن. فإن الجزم بكل حالة يدل على أن الراقي إنسان متهور ولديه نقص في العلم فهناك حالات يمكن الجزم بها نتيجة الخبرة وتوفر القرائن المادية والأدلة ك (عقد الشعر) التي ينفث فيها السحرة سحرهم ” ومن شر النفاثات في العقد” وهناك حالات لا يمكن الجزم بها.” الرعاية النفسية منح مشروع نظام الرعاية الصحية النفسية، الذي أجازه مجلس الشورى. المريض النفسي حق تلقي العناية الواجبة والحصول على العلاج بحسب المعايير العالمية المتعارف عليها طبياً، واحترام حقوقه الفردية في محيط صحي وإنساني يصون كرامته ويفي باحتياجاته الطبية ويمكنه من تأدية تكاليفه الشرعية، وإعلامه بالتشخيص وسير الخطة العلاجية قبل البدء بالعلاج، وعند الحاجة لإدخاله في منشأة صحية يعلم المريض أو وليه بأسباب ذلك. ويحق للمريض النفسي – وفق مشروع النظام – بعد التنسيق مع الطبيب المعالج أن يستعين بأحد الرقاة الشرعيين إذا رأى المريض أو ذووه ذلك، على أن تكون الرقية وفق ما جاء في الكتاب والسنة دون تجاوز ذلك بأي فعل .