.. فإن صادفتك مثل هذه الأمور المتعارضة فاتجه إلى ضميرك حكماً.. وخذ من قيمك العالية سنداً، وحقق ما يتفق والخير الذي هو فطرتك الأصيلة، واهجر ما تراه غير متسق مع طبيعتك الإنسانية الراقية. @@@ إن لقيتَ من الناس ما لا يعجبك.. إن سمعت من الآخرين ما ليس حقيقة في حقك.. إن واجهت صعاباً تحُول دون وصولك.. فاتخذ من العزم سلّماً.. ومن اليقين مركباً.. وانطلق.. ولا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا.. وفي اللغة تستعمل (إنء) للشك وتقليل حدوث الأمر، وتستعمل (إذا) للثبات والتحقق أكثر. @@@ ولست وحدي ناصحاً بالأخذ بهذه القيم الكبرى.. فهناك كثيرون يؤمنون مثلي بأننا يجب أن نكون على قدر ما يجب من العزم، والثقة، وفهم الناس، والواقع، ومنها صاحب القصيدة الآتية: آمل أن تكون محل قراءة، وتدبر، وأن يشاطرني القراء إعجابي بما جاء فيها: إنء تنج أنتَ، وَلاَمتكَ الرؤوسُ وقدء تدحرجَتء كلُّها في مشءهَد العتَبِ ........ وإنء وقفءتَ تراعِي الشكَّ في ثقة لمَّا تداعى عليكَ الناسُ بالريب ........ إن انتظرتَ، ولم تَتءعَبء بمنتظَر أو كذبوكَ، ولم تَجءنَحء إلى الكَذب ........ أو أبغضُوكَ، فلمء تُنشُدء كراهيةً ولم تُبالغ بطيب النفس والخُطَب ........ وإنء حَلِمءتَ، ولم تَعمَدء إلى حلءم تكونُ عَبءداً لهُ بالتَّعءس والتَّعب ........ وإنء غَدوتَ إلى فكر، ولستَ به مُساوياً قيمةَ الأفكار بالأرب ........ وإن نظرتَ إلى نَصءر وكارثة كخادعَيءن بثوب العيد والكَرَب ........ وإنء تكالبَ أهلُ الغي، أو خلَطوا حقيقةً قلتها، بالوشي والعَطَب ........ أو حَطَّموا كلَّ شيء أنتَ صانعه بشقِّ نفسك، كي تَبءنيه بالنَّصب ........ وإنء سَرَيتَ إلى ما أنءتَ مُنءجزُهُ في رحلة العُمر من نَصءر ومنء كَسب ورحت تذءروهُ في حُمَّى مقامَرة وعُدتَ تَبءني بلا يأءس ولا صَخًب ........ وإنء تجاوزءتَ فَوضَى كَبوة خطفتء من سَالف الدهر نَوطَ القَلءب والعَصَب وقُمتَ تهزَأُ بالأرءزاء، وانتفَضَتء فيكَ الإرادةُ تُذءكِي سَطءوة الغَلَب ........ وإنء تحدثءتَ في قَوم فكنءتَ علَى قَدءر اللياقَةِ في قَوءل، وفي أدَب ........ وإنء صَحبتَ ملوكاً، ثم ما لبثتء فيك البساطةُ تعلُو كلَّ مكتَسَب ........ وإن لقيتَ أذى الأعداء، واتصلَتء به أذَيَّةُ أصحاب، ولم تَهب ........ وإنء مددءتَ لكل الناسِ مَا أَمِلوا من المودَّة، لا تبغي علَى الحَسَب ........ وإنء ملأءتَ - لتَنءسَى كلَّ سيئة - ستّين ثانيةً بالركض واللَّعب ........ فأنت سيد هذي الأرض ما رحُبَتء وأنتَ يا ابءني ملاك عَاليَ الرتَب ........ هذا الذي جاء في هذه القصيدة الحكمية يمثل حقائق طاب لي أن أوضحها، ومتناقضات أسردها.. إنها قصيدة لشاعر باللغة الإنجليزية اسمه (رايدر كبلنج). وقد كانت هذه الأبيات الجميلة محور حديث دار بيني وبين أخي الدكتور علي بن عبدالخالق القرني، مدير عام مكتب التربية العربي لدول الخليج، الذي قام المكتب بترجمتها ونظمها إلى اللغة العربية، وقمتُ ببعض التعديلات والمواءمة على هذه الترجمة ونظمها.. نعم أنء تكون في النهاية سيد هذه الأرض ملاكاً طيب القلب عالي الرتب، لا تركن إلى ما يفعله الحاقدون، ولا تبتئس بما يدبره الكائدون، ولا تضعف أمام العثرات التي كثيراً ما تعترض طريق المثابرين. @@@ لا تُقم وزناً للأعمال التي يزاولها الخصوم، واستصغرهم، كما تستصغر الأرزاء، وامض في طريقك دون أن يتزعزع ثباتك، أو يهتز جنانك.. وثق أن الله معك .. ما دمت تتحرى السير على الصراط المستقيم، وللخير المخلص لله تعمل.. وفي مضمون هذه القصيدة تأكيد على أن شعوب الأرض جميعها تلتقي على مجمل الحكم، والقيم مهما اختلفت أديانهم، وابتعدت مواقعهم على كوكبنا الأرضي هذا أولاً.. @@@ وثانياً: تذكرنا الأفكار والمعاني الإنسانية العامة التي جاءت فيها بأنه لا يأس مع الحياة، ولا يجب أن نقنط من نصرة الحق، وبلوغ النجاح في مآربنا، ولنا في قصة النملة التي تعلمناها في كتب المطالعة صغاراً ما يحفزنا على التمسك بسبل العيش ما دمنا قادرين عليها - دون ركون إلى خوف من المصاعب، أو وجل من الآخرين. هل تذكرون القصة.. حينما بلغ بذلك الرجل الإحباط واليأس، واستلقى تحت شجرة في جو ربيعي، وإذا بنملة تصعد الشجرة التي هو تحتها، ثم تهوي، وتحاول مرة أخرى.. ثم ثانية وثالثة حتى بلغت المئة مرة.. دون يأس حتى وصلت إلى ما تريد في النهاية.. وهي ثمرة في أعلى الشجرة.. عند هذا هب الرجل وقد تملكه الحماس قائلاً: هل أنا أضعف من هذه النملة؟ أم هي أكثر جرأة وعزماً مني؟ وتغيرت حياته.. وانطلق يعمل بعزم وقوة وحقق نجاحاً مطرداً في كل مساعيه، بعد أن كاد الشعور بالإخفاق يحبطه، ويقضي على كل آماله. @@@ وثالثاً: فإني دائم التكرار لأبنائي، ولأفراد أسرتي، وأصحابي كافة أن يعاملوا الناس بالحسنى مهما بلغت الإساءة من أحدهم.. وأحذرهم ألا يجاروا أحداً في سوء تصرفه، وهذا يعني أن تعامل الناس بمثل ما تتمنى أن يعاملوك به. @@@ ورابعاً: فإن ما ورد في هذه القصيدة يوجهنا إلى أن نقلل ما ننتظره من الآخرين، لأن ذلك سيخفف على أنفسنا وقع ما قد لا نرضاه من تصرفات أو قلة وفاء، وانعدام المروءات، فليس سلوك كل الناس كما نحب، وفي زماننا المعاصر - مع الأسف الشديد - تصرفات كثيرة تنم عن اللؤم، والجحود، والنكران، وقليلة تلك التي تنم عن الشهامة، والاعتراف بالجميل، وعدم النكران. بل إن البخل أصبح كذلك في المشاعر التي لا تكلف أحداً شيئاً في الجود بها، والعجز عن التعبير عنها واضح في كثير من الأحوال. @@@ وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.