لا يمكننا أن ننكر وجود الخوف والتوجس من الثقافة الإسلامية التي جاءت مع المهاجرين المسلمين إلى أوروبا، هذا التوجس والريبة تحول في لحظات متطرفة إلى أعمال عدائية من أحزاب يمينية وشخصيات تحاول أن تُوصل رسائل إلى الأوروبيين أولاً، "احذروا من المد الإسلامي" ورسالة ثانية إلى المسلمين، مفادها أننا "لا نرحب بكم هنا". بغض النظر عن التحليلات السياسية والدينية التي جاءت في سياق هذه الهجمة، ربما هناك جانب ينبغي أن نمعن فيه النظر، هل من قبيل المصادفة أن تصاغ الرسائل المعادية للإسلام بقوالب فنية بحتة؟ من الرسوم الكاريكاتورية الدنمركية المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام، وحتى فيلم "فتنة" الهولندي، وأخيراً مسرحية "آيات شيطانية" التي تعرض في ألمانيا، كلها جاءت في قوالب فنية "رسوم كاريكاتورية، فيلم، مسرحية" وكلها تهدف لبث رسائل تعبئة محددة، من تصوير النبي عليه الصلاة والسلام كنبي إرهابي، إلى ختم فيلم "فتنة" بعبارة "أوقفوا أسلمة أوروبا" وحتى "آيات شيطانية" ومسلسل سلمان رشدي الذي لم ينته منذ عقود. تم استخدام هذه القوالب لأن تأثيرها الثقافي أكبر خاصة على الشباب، فهي أسهل طريقة لتسويق أي فكرة أو ثقافة، عن طريق تكثيفها في عبارة أو شعار يبث كرسالة رئيسية في عمل فني، فلن تفيد دراسات دينية أو استشراقية في التأثير على العقل الجمعي، كما يؤثر رسم كاريكاتوري أو فيلم قصير أو مسرحية، هذه الأعمال تبقى في الذاكرة أكثر، ومن ناحية ثانية مواجهة الأعمال الفنية توقع الآخرين في مأزق، فأصبح التذرع بالحرية مركزياً عند الأوربيين، محاولة من القائمين على هذه الإساءات لترسيخ فكرة أن الثقافة الإسلامية التي "تجتاح" أوروبا هي ثقافة ضد الحرية، لذا كان الضرب شديداً على هذا الوتر. ويبدو هنا أننا بحاجة لهذا النضج في التعاطي مع هذه القضايا، بعيداً عن ردود الفعل العشوائية أو العنيفة، فردود الفعل الهادئة من أبناء الجيل الثاني من المسلمين في هولندا ساعدت على تحييد الفيلم أو التخفيف من أثاره السيئة، كما أن مواجهة هذه الرسائل برسائل مضادة، عن طريق استخدام نفس القوالب والتعامل بذات المنطق، بمعنى استخدام القوالب الفنية في إيضاح الرسائل الثقافية الحقيقية للإسلام، كلها أشياء تساعد بشكل كبير على خلق نوع من التفاهم أو التعايش مع الآخر، وتحييد المتطرفين من الجانبين، وجعلهم يشعرون بأنهم أقلية في عالم يسعى لمعرفة الآخر كما هو، والتعامل مع على هذا الأساس بعيداً عن الحشد أو التعبئة.