لحا اللَّهُ ذي الدنيا مناخاً لراكب فكُلُّ بعيد الهمِّ فيها مُعَذَّبُ (أبو الطيب المتنبي) المستريح اللي من العقل خالي ما هو بلجَّات الهواجيس غطَّاسء (محمد السديري) * الهمة والهم ولدا في ليلة واحدة، بل هما توأم.. فكلما بعدت همة الإنسان زاد همه.. انظر أخي القارئ بيت أبي الطيب المتنبي في رأس الموضوع.. وكلما قلَّت همة الإنسان وركن للخمول مات قلبه وقل همه.. انظر أيضاً بيت أبي زيد محمد السديري أعلاه.. ويقول أبو الطيب المتنبي مختصراً الموضوع بعبقريته الشاعرة: وأَتءعَبُ خَلءق الله من زادَ همُّهُ وقصَّرَ عمَّا تشتهي النفسُ وَجءدُهُ وفي الناس من يرضى بميسور عيشه ومركوبه رجلاه والثوبُ جلدُهُ فلا مجد في الدنيا لمن قَلَّ مالُهُ ولا مال في الدنيا لمنء قَلَّ مَجءدُهُ وما الصارمُ الهنديُّ إلا كغيره إذا لم يُفَارقءهُ النجادُ وغُمءدُهُ فلا يوجد فرق بين السيف والحبل الرخو طالما ظل السيف مغمداً، ومعنى هذا أو رمزه أنه لا فرق بين الإنسان والبهائم ما لم يطمح ويكافح.. وقد قال رجلٌ للأحنف بن قيس (المشهور بالحلم والحكمة): - إنني لا أبالي أمدحني الناس أم ذموني! فقال له الأحنف: - استرحت حيثُ تَعبَ الكرام! فالحر لا يستريح حتى يكافح لتحقيق أهدافه ومجاهدة نفسه وترويضها ونيل أقصى ما يمكن من أهدافه المشروعة، وهذا أمرٌ مصحوب بالهم والحزم والتعب.. قال أبو تمام: بَصُرءتَ بالراحة الكبرى فلم تَرَها تُنَال إلا على جسءر منَ التَّعَب ويقول المعتمد بن عباد: "القعود حيث نهض الكرام أسهل ولكنه أسفل"!! @ @ @ ويقول محمد الأحمد السديري أيضاً - وفيه بيان الفرق بين الحر الذي يهتم والنذل الذي لا يهمه شيء: مرقا العلا خطر عسير صعوده ما يطلعه من لا تجلّدء على الكودء والبيت ما يبنى بليّا عموده والحيف يزعلء من عن الحق مردوءد والحر يجزع يوم توطا حدوده وتشرّهه نفسه على الطِّيب والزودء ولا يشتكي من لا تضره لهوده ان شاف جور الحيف والعدل مفقودء والنذل حيلات الردى ما تكوده واليا بغى الطولات ما يدرك الجودء والبيت قبل الأخير يذكرني بقول المتنبي: من يَهُن؟ يَسءهُل الهوانُ عليه ما لجرح بميِّت إيلامُ! @ @ @ ويقول الملك الضليِّل امرؤ القيس: ولو أنما أسعى لأدنى معيشة كفاني ولم اطلُبء قليلاً من المال ولكنّما أسعى لمجد مؤثَّل وقد يُدركُ المجدَ المُؤَثلَ أمثالي وحين كان السفاح أبو العباس، مؤسس الدولة العباسية، غلاماً في العاشرة من عمره، كان كثير الهم والأرق، فقالت له أمه وقد رأته يتقلب في فراشه طول الليل كأنما يتقلب على جمر الغضا بلا راحة أو نوم: - ما بك؟! فقال: - بي همّةٌ تُقَلءقلُ الجبال!! @ @ @ ويندر أن يوجد في هذه الدنيا إنسان بلا هم.. المثل الشعبي يقول: "ما عليها مستريح" والشاعر يقول: لكُلِّ امرئ هَمٌّ يسيرُ وراءَهُ ويتبعُهُ في عمره كخياله فهذا فقيرٌ هَمُّهُ سَدُّ جوعه وهذا غنيٌّ هَمُّهُ حفءظُ ماله والنفس البشرية كالطقس: مرة تهتم وتقلق، ومرة تفرح وتنسى: الدهر حالان: هَمٌّ بَعءدَهُ فَرَجٌ وفُرءجَةٌ بعدَها هَمٌّ وتعذيبُ منَ يلقَ بلوى يَنَلءهُ بعدها فَرَجٌ والناسُ من بين ذي رَوءح ومكروب وعرَّفَ عمرو بن العاص - وهو من دهاة العرب - السعادة بأنها (انجلاء الغمرات) وكان يقول: (عليكم بكل مزلقة متعبة) أي تطلعوا للصعاب وجابهوها ولا تخشوا المشكلات والغمرات فإن في حلها سعادة قصوى، فلكل فعل رد فعل.. @ @ @ ويكاد يجمع الشعراء في الفصيح والشعبي على أنه كلما قل عقل الإنسان قلّ همه، يقول المتنبي: أفاضل الناس أغراضٌ لذا الزمن يخلو من الهمِّ أخلاهم منَ الفطَن وللفرزدق: إذا قلّ عقل المرء قلّت همومُهُ ومن لم يكُنء ذا مُقءلَة كيفَ يُبءصرُ؟! وللمتنبي في هذا المعنى أبيات مشهورة منها: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ وقوله: تصفو الحياةُ لجاهل أو غافل عما مضى منها وما يُتَوَقَّعُ ولابن المعتز: وحلاوةُ الدنيا لجاهلها ومرارةُ الدنيا لمن عقلا.. ويقول طلال الدغيري: يا شيب عيني.. واهنيّ البهايم ما ميزّنء درب القذا من عواجهء! هني دب طول الايام نايم ماله حذا ما حط بالبطن حاجه! شبنا وحنّا مثل سود اللثايم ما ضال من حاجاتنا ربع حاجه! @ @ @ والهم المشتق من الهمة (صحي) وليس مرضياً، لأنه يدفع صاحبه للعمل والكفاح والغرم ويذكي فيه مشعل الطموح ويجعله أكثر جرأة وإقداماً، ويُلخصُ ذلك قولُ الشاعر العربي القديم: إذا هَمَّ أَلءقى بين عينيه عَزءمَهُ ونكَّبَ عن ذكءر العواقب جانبا