وانقضى معرض الكتاب، والتقط الكتاب أنفاسه من فضاء تتكدس فيه القنوات الفضائية ورسائل الوسائط الألكترونية ومواقع العنكبوت، وكم ابتهجت حين رأيت العد الكبير للزوار والازدحام الشديد في الصباح والمساء، وابتهجت أكثر حين قرأت احصائية بحجم المبيعات التي تجاوزت في الثلاثة أيام الأولى فقط 11مليون ريال وأن عدد الزوار وصل في يوم واحد إلى 33ألف زائر.. وسعدت حين سمعت من أحد الناشرين قوله أن مبيعاته في معارض الرياض هي الأكثر من بين المعارض في الدول العربية الأخرى.. مثل هذه الحقائق والمشاهدات تجعل المنظمين للمعرض أمام مسؤولية كبيرة للحفاظ على هذا الاحتفاء الجميل بالكتاب ،، ولتطوير هذه الصناعة لنعيد للكتاب بريقه، وللقراءة سحرها، وكي تحافظ الرياض على مكانتها كأحد أهم عواصم الثقافة العربية. ولقد رصدت مجموعة من الملاحظات والاقتراحات التي أرجو أن تجد طريقها للنقاش والاهتمام: @ مواعيد معارض الكتاب هناك حاجة للتنسيق في مواعيد معارض الكتاب المقامة في الدول العربية، فمعرض الرياض الدولي ابتدأ قبل أن ينتهي معرض مسقط الدولي، ومعرض أبو ظبي انطلق قبل أن ينتهي معرض الرياض وسيتبعه معرض عدن الدولي، هذا التداخل في المواعيد وغياب التنسيق يؤثر سلبا على دور النشر، وعلى المهتمين بالكتاب وحتى على المتابعة والتغطية الإعلامية، كما يؤثر على الكتاب نفسه، ذلك أننا نحتاج أن نكون في تواصل منظم ومستمر طوال السنة مع الكتاب، بدلا من تكدس المواعيد في شهر واحد، وتبقى الأشهر الأخرى خاوية من ذاكرة الورق. @ غياب الكتاب الأجنبي الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها فهو أحق بها، وبما أن المعرض معرض (دولي) فيجب أن تقدّم دعوات لدور النشر الأجنبية المهمة لعرض كتبها ومنحها كافة التسهيلات، وتخصيص جناح كامل لها، سواء للكتب العلمية المتخصصة من هندسة وعلوم وطب أو كتب الآداب والفنون الإنسانية الأخرى. @ جناح الكتاب المستعمل وهذه فكرة وجدت تطبيقا لها في بعض معارض الكتاب العالمية الأخرى، وهي فرصة مواتية لبيع وتبادل الكتب المستعملة، سواء كانت كتبا نادرة أو أرخص سعرا. وذلك بأن يخصص جناح أو منطقة حرة مفتوحة لبيع الكتب المستعملة. وأعرف الكثير ممن يرغبون ببيع مكتباتهم المنزلية!.. وقد وجدت في معرض القاهرة الدولي في جهة الكتب المستعملة في أحد السنوات، كتبا وصحفا قديمة تباع بالكيلو! @ النشر الالكتروني إفراد جناح خاص بالنشر الألكتروني ومواقع الأنترنت الثقافية والعلمية والأقراص المدمجة للكتب والموسوعات العلمية والثقافية المختلفة، والقواميس الألكترونية، والكتاب المسموع، وذلك لمواكبة التطور الحاصل في أدوات وأساليب النشر الحديثة. @ تنظيم أماكن دور النشر.. لا أدري هل مواقع دور النشر في المعرض مصممة عبر تنظيم وتصنيف محدد أم هو عشوائي؟! فبالإضافة لوجود خريطة تحدد موقع كل دار نشر، فإني أرى أن يتم ترتيب مواقعها بناء على تصنيف معين أو على الأقل تبعا للترتيب الأبجدي لأسمائها مما يجعل الوصول لأي دار نشر حتى بدون خريطة أمرا سهلا وميسرا.. @ إشكالية الكتب المكررة. الكتب التي ليس لها حقوق طبع، وأغلبها الكتب الدينية والتاريخية واللغوية القديمة. هذه الكتب ونفس العناوين تجدها مكررة ومتكدسة في معظم دور النشر المشاركة. هذا التكرار يفوت فرصة الاطلاع بسهولة على العناوين الجديدة والكتب التي (تنفرد) كل دار نشر بطباعتها، كما أنها تؤثر على مصداقية الإحصائيات المصاحبة للمعرض من حيث عدد الكتب المشاركة، والعبرة ليست بعدد الكتب المشاركة، بل بعدد العناوين غير المكررة وعدد الإصدارات الجديدة المشاركة منذ آخر معرض أقيم. ونعلم أن من الأهداف الرئيسة لإقامة معرض كتاب بشكل (سنوي) هو إطلاع الزوار والمهتمين بأهم المستجدات والإصدارات الجديدة في المشهد الثقافي والعلمي - عربيا وأجنبيا. وهي ليست دعوة بالطبع لإقصائها، وإنما لإيجاد تنسيق معين بين دور النشر والجهة المنظمة، لضمان نشر جميع العناوين بأقل قدر من التكرار. @ الرقابة: وهذا هو أكثر المواضيع إثارة في كل معرض كتاب، ورغم أن الفضاء أصبح مفتوحا على مصراعيه (نصاً وصوتا وصورة) إلا أنه لايزال هناك مطاردة ومراقبة لصيقة للكتاب. وأنا هنا لا أطالب برفع الرقابة، فكل عمل في الدنيا يجب أن يخضع للإشراف والرقابة والتنظيم وإلا لرأينا من يبيع المساويك داخل معرض الكتاب. لكننا نحتاج إلى جهة أو لجنة رسمية من مفكرين وأكاديميين وأدباء وناشرين لوضع ضوابط ومعايير محددة للرقابة والمتابعة وأن تكون هذه اللجنة على وعي واطلاع كامل بما يجري في العالم وعبر الفضاء لإحداث نوع من التوزان والمنطقية في مايسمح به ومايمنع. وأن تكون المرجعية واضحة ولا تتدخل الجهات الأخرى بشكل مباشر بل فقط عبر الجهة المسؤولة. ولايجب ان يقتصر دور هذه اللجنة على الكتب الممنوعة، بل يجب ان يكون دورها أشمل وذلك بضمان رفع مستوى مايعرض من الكتب وأن لايكون المعرض فرصة لبعض دور النشر في تسويق المطبوعات الراكدة وترويج بعض النوعيات الرديئة والمهترئة من الكتب والتي ليس لها دور فعال ومؤثر في حركة التنمية والتنويرالثقافي، أو إثراء الوعي والثقافة الإنسانية، مع تكثيف وتشجيع نشر الكتب العلميّة والتقنية المختلفة بدلا من التركيز على كتب الأدب والعلوم السياسية والدينية فقط. @ تظاهرة ثقافية: إقامة أمسيات أدبية وندوات ثقافية ليس فقط داخل أروقة المعرض بل في النادي الأدبي والمراكز الاجتماعية والفنادق الكبرى ودعوة كبار الشعراء والمثقفين لهذه النشاطات. ذلك أن هناك من يأتي من مدن مختلفة لحضور معرض الكتاب، ووجود أنشطة ثقافية أخرى مصاحبة ستشجع وتزيد من هذا الحضور وهذه السياحة الثقافية ليس فقط من داخل المملكة بل وحتى من خارجها. @ تسويق الكتاب: في المعارض الخاصة بالسلع التجارية والألكترونيات ومعارض الحاسب الآلي، تجد العارض على علم ودراية كاملة بما تعرضه شركته من سلع، ولديه كافة المعلومات التفصيلية حول خصائص كل سلعة ومواصفاتها ومقارنتها بأجهزة أخرى، كما أنه يمتلك قدرات تسويقية ومهارات عالية في الاتصال مع الزبون. هذا للأسف لايحدث في معرض الكتاب ونحن بحاجة ماسة إلى بائع مطّلع يعطيك نبذة مختصرة عن أي كتاب معروض لديه وعن المؤلف ومالذي يطرحه في كتابه، ويساعدك في الاختيار والانتقاء وليس فقط لشخص يكتب الفواتير وليس لديه أدنى المعلومات عن ماينشره من كتب. الكثير من الزوار لديهم اهتمامات في مجالات معينة ولكنهم يحتارون في الاختيار ويفتقدون بعض المعلومات المهمة حول قوائم الكتب الجديدة والكتب الأكثر شهرة ومبيعات ومايحويه كل كتاب. وكثيرون يسألونني السؤال الصعب: ماذا نشتري؟ أو مالكتاب الذي تنصح به؟ وذلك كما يحتارون حين يريدون شراء حاسب آلي ويبحثون عن النوع الأفضل. ربما ليس بنفس الدرجة، ولكن الفكرة نفسها متحققة، وتوفر بعض المعلومات الأساسية حول كل كتاب ومؤلف ستساعد بلا شك في عملية الاختيار. @ ملاحظات تنظيمية أخرى: هناك ملاحظات أخرى خاصة بالتنظيم يجب أن تؤخذ بالاعتبار مثل مواقف السيارات، ودورات المياه، وأماكن الجلوس، ومستوى المقاهي، ووضع لوحات مضيئة في أكثر من مكان تعرض خارطة المعرض وموقعك الحالي. كما أن هناك شكاوى كثيرة من أسعار الكتب ولابد من مراقبتها من قبل الجهة التنظيمية. @ تطوير صناعة النشر: تنظيم ندوات وورش عمل يشارك بها الناشرون والمؤلفون لتناقل الخبرات، وعرض مشاكل ومعوقات التأليف والنشر والحلول المقترحة، ثم رفع توصيات بأهم ماينتج من هذه الورش التبادلية. @ خصخصة معرض الكتاب: أرى أن يطرح هذا الموضوع للبحث والدراسة، بحيث تشرف على تنظيم المعرض شركة متخصصة في إدارة المعارض سواء محلية أو دولية، ومعظم المعارض في العالم تنظمها شركات متخصصة تحت إشراف الجهات الحكومية المعنية. العائد الاستثماري والقوة الشرائية وقصر المدة عناصر جذابة لدخول الشركات في منافسة لتنظيم مثل هذه المعارض. ولا أنسى في الختام ان أشيد بالجهات المنظمة لمعرض الكتاب هذا العام على جهودهم في إنجاح المعرض رغم محدودية مساحة المعرض والأعداد الهائلة للزوار، ونأمل أن تتاح لهم فرصة أكبر في التطوير حين يقام المعرض في الصالة الجديدة العام المقبل إن شاء الله. @ المشرف العام على الموسوعة العالمية للشعر العربي