نبدأ بسؤال، وننطلق من خلال سؤال، وما أكثر الأسئلة الحائرة، والصادمة في مسارات حياتنا، وفهمنا، ووعينا، أسئلة تربكنا، وتشغلنا، وتجعلنا في حالة ضبابية لا نتبين خطونا، ولا نحدد وضوح مساراتنا.. السؤال الذي نبدأ منه، وبه. - لماذا نحن دائماً في وضع شرس وعدائي مع أنفسنا، ومع الآخرين..؟؟ بمعنى، لا يكون في هاجسنا، وتفكيرنا إلا السيئ، أو الأسوأ، نسيء الظن بالآخرين، ونفترض فيهم الخطايا معجونة في تفاصيل حياتهم، والآثام مكرّسة في سلوكياتهم، وثقافتهم، وتوجهاتهم، والتراكم المعرفي لديهم، ونعطي لفكرهم مضامين ودلالات وتفسيرات قد لا تحتملها، ولا تقترب من أهدافها، ونطلق أحكامنا القاسية من خلال تأويلات ناقصة في الفهم، أو التفسير، أو التأويل، بحيث كانت قراءاتنا لهم قراءات مضادة، متربصة، اتهامية، سيئة الظن بالكاتب، وبحرفه، وثقافته، وتكون هذه القراءات هدفها الأول ليس المعرفة، أو الاستزادة، أو معرفة رأي الآخرين بحسن النوايا. ولكنها تبدأ - إذ تبدأ - بمحاكمة قاسية للنص والكاتب معاً. والبحث عن الإدانة، والتجريم، والمعاني التي بها ومن خلالها نستطيع الإيقاع بالآخرين. ثم نعطي الأحكام، ونصدرها مزلزلة، مدوية تستبيح دم الآخرين، وحياتهم، وعيشهم، وأمنهم. مثلاً، مثلاً. عندما مثُل قاتل فرج فودة أمام القضاء المصري، طرح عليه القاضي سؤالاً. - لمَ قتلته..؟؟ - يقولون إنه علماني، أجاب: - وما معنى علماني. سأله القاضي. - لا أعرف، أجاب المتهم، وأضاف ولكن شيخي قال إنه علماني. هكذا، صادر القاتلُ حق إنسان في الحياة، وهو لا يعرف معنى التهمة التي قتله من أجلها، وعلى هذا الفهم يمكن أن يقتل متطرفٌ شخصاً آخر لأنه "سوريالي"، أو "انطباعي" أو "وجودي" أو "حداثي"، ولأنه لا يفهم هذه المصطلحات فيكون صاحبها كافراً. إن أخطر سلاح هو سلاح الكلمة، الرصاصة تقتل وتنهي حياة الإنسان، بينما الكلمة تقتل بصورة فتاكة، إذ يعيش من وقع عليه أذاها حياة مرعبة، وخائفة، وقاتلة. دعونا نعش حياة حب، وتفاهم. ووعي مع أنفسنا ومع الآخرين.