كتبت تارا ميكليفي كتابها المعنون ب "التوحش: داخل السياسة الأمريكية السرية في الاستجواب والتعذيب في الحرب على الإرهاب" 2007، حيث تقول المؤلفة إن المشكلة بدأت منذ اختيار سجن ابو غريب كمركز للاعتقال، فأبو غريب هو السجن الرهيب الذي استخدمه النظام السابق في العراق لتعذيب وقتل معارضيه. وترى الكاتبة أن هناك ثلاثة عوامل أساسية جعلت ممارسات التعذيب ضد السجناء وانتهاك كرامتهم أمراً حتمياً. العامل الأول، هو زيارة الجنرال جيفري ميلر، قائد عمليات سجن غوانتانامو الشهير لسجن ابو غريب لوضع الخطوط العريضة للمحققين وحراس السجن حول كيفية التعامل مع المعتقلين. فقد حاول ميلر أن يجعل من سجن أبو غريب نسخة من سجن غوانتانامو مع فارق عدم وجود الإمكانات البشرية والمادية في سجن أبو غريب. العامل الثاني، هو المذكرة القانونية الشهيرة التي صدرت من البيت الأبيض حول السماح باستخدام وسائل غير تقليدية في التحقيق مع المتهمين بالانتماء للجماعات الإرهابية. تلك المذكرة التي عرفت فيما بعد بمذكرة "التعذيب" وأعدها كل من تيمثي فلانجان وجون ياو وكلاهما عملا كمستشارين قانونيين لدى الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن حيث أعطت الغطاء القانوني لممارسات التعذيب في سجن أبو غريب. العامل الثالث، هو حالة الفوضى التنظيمية التي كانت سائدة في سجن أو غريب، فلم يكن هناك قواعد واضحة أمام المحققين والحراس في السجن حول كيفية التعامل مع المعتقلين بخصوص مطالبتهم بالحصول على أكبر قدر من المعلومات منهم وبأسرع وقت ممكن، اضافة الى ذلك فإن الثقافة السائدة في السجن، مثل الرقص الجنوني على أنغام موسيقى تدعو للعنف، والقصف المستمر للسجن من قبل المقاومة العراقية، والخوف من الموت داخل أو خارج السجن، كانت جميعها عوامل تساهم في تكريس التعامل المادي والقاسي مع السجناء. فتلك العوامل مجتمعة خلقت بيئة مشحونة بالكراهية، والخوف وعدم الثقة بين السجناء والسجانين مما جعل فضائح العنف والامتهان للمعتقلين أمراً لا مفر منه. ثم تضيف المؤلفة أن ثلاث فئات ساهمت بشكل مباشر في عملية التعذيب ليس فقط في سجن أبو غريب بل في جميع مراكز الاعتقال الأمريكية في العراق. الفئة الأولى هم المحققون. فالمحققون ينقسمون بدورهم الى فئتين: المحققون الرسميون من وكالة الاستخبارات المركزية والاستخبارات العسكرية وغيرهم من الجهات الحكومية الأمريكية، والمحققون المتعاقدون التابعون للشركات الأمنية الخاصة العاملة في العراق لصالح الحكومة الأمريكية. تقول المؤلفة: تلكما الفئتان لا تختلفان من حيث الحالة الذهنية والنزعة السادية تجاه المعتقلين، كما أن كلتيهما قد حصل على نفس التعليمات حول كيفية التعامل مع السجناء. إلا أن فئة المحققين المتعاقدين كانت الأكثرة دموية وقسوة في التعامل مع المعتقلين العراقيين. وذلك لم يكن مصادفة، فالمحقق المتعاقد لا يخضع للمساءلة القانونية كما هي الحال مع المحقق الحكومي. إضافة الى ذلك، فإن الحكومة الأمريكية وبالتحديد وزارة الدفاع قد لا تتحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية المباشرة لتجاوزات المحقق المتعاقد. لهذا السبب فقد أطلقت أيدي المحققين في التعامل مع المعتقلين واختيار الأساليب التي يرونها مناسبة (الصعق الكهربائي، الحرمان من النوم، الضرب، استخدام الكلاب، التعليق في السقف، التحرش الجنسي، التهديد بالقتل وغيرها) بعد الحصول على إذن صوري من الضابط المرابط في تلك الفترة. وتجدر الإشارة الى ان نسبة كبيرة من المحققين، سواء كانوا الرسميين أو المتعاقدين، لم يكن لديهم تدريب كاف في التحقيق سوى دورات تدريبية قصيرة داخل المعتقل. ومما جعل الأمور تزداد سوءاً هو عدم وضوح القواعد الخاصة بالتحقيق داخل السجن مما أعطى المحققين الانطباع بأنهم مطالبون بالتعامل بطريقة قاسية مع المعتقلين. الفئة الثانية - حسب رأي المؤلفة - هم حراس السجن. دور هذه الفئة ليس حراسة المعتقلين والسيطرة عليهم فقط بل الحراس كانوا يساهمون بعملية التحقيق بشكل غير مباشر. فقد كانوا مطالبين بتهيئة المعتقلين للتحقيق عن طريق حرمانهم من النوم، إهانتهم، ابتزازهم جنسياً وغير ذلك حتى يقترب المعتقل من الانهيار قبل التحقيق، الصور الشهيرة لمعتقلي ابو غريب تظهر الحراس بالصور. (تلك الصور التقطت من قبل أحد الحراس واسمه جرينر وصديقته انجلند). الغالب في فئة الحراس هو الميل للعنف تجاه الجميع ولهم سوابق جنائية، ف "جرينر" على سبيل المثال، تمت معاقبته في السابق لأنه وضع موسى في وجبة أحد السجناء في الولاياتالمتحدة بشكل كاد يتسبب بوفاة السجين. كما أنه حسب شهادة صديقته "انجلند" فيما بعد، كان يمارس الجنس معها بطريقة سادية ويقوم بتصويرها، فهو حتماً كان شخصاً يعاني من اضطرابات بالشخصية اضافة إلى الحرمان الجنسي الذي كان يعاني منه الحراس (نسبة النساء للرجال في سجن أبو غريب مرأة واحدة لكل عشرة رجال). بقية الحراس، سواء كانوا التابعين للشرطة العسكرية الأمريكية أو المتعاقدين، لم يكونوا يختلفون عن جرينر، فالهرم البشري لرجال عراة، وامتهان كرامة المعتقلين بإجبارهم على القيام بعمليات شبه جنسية مع بعضهم البعض وهم عراة، واستخدام الصعق الكهربائي والكلاب في التعامل معهم لم يكن مصدر استياء للغالبية العظمى منهم، بل إن تلك الأحداث كانت مصدر دعاية يتناقلونها على مناضد الطعام كل يوم. أما الفئة الثالثة - حسب رأي المؤلفة - فهم المترجمون العاملون لدى القوات الأمريكية في العراق، الغالبية العظمى من أولئك المترجمين هم من المهاجرين العرب في الولاياتالمتحدة، ولاحظت الكاتبة أن الغالبية العظمى من أولئك المترجمين ينتمون للأقليات الدينية (الكلدانيين، الأقباط، الموارنة)، والعراقية (الأكراد) والطائفية (الشيعة). وفي الواقع فإن دور المترجمين لم يكن محايداً في عملية التحقيق - على حد رأي الكاتبة - فالغالبية العظمى منهم كانوا يشاركون في أبشع عمليات التعذيب التي كان يمارسها المحققون الأمريكيون ضد المعتقلين. فالمترجم كان هدفه تحقيق الربح المادي بالدرجة الأولى. ولكن بالإضافة للعمل كمرتزق في الجيش الأمريكي كان المترجم يقوم بتصفية حسابات مع أشخاص ينتمون للأكثرية في الوطن العربي (العرب السنة). إضافة إلى ذلك فإن نوعية المترجمين العرب في القوات الأمريكية، غالبيتهم ينتمون إلى شرائح مهنية دنيا (سائقي شاحنات، بائعين، عمال) وغير متعلمين، حيث إن بعضهم لا يجيد التحدث باللغة الإنجليزية أصلاً. وما الفصل الذي أفردته المؤلفة للمصري - الأمريكي عادل نخلة إلا نموذج واضح يمثل الدور السلبي الذي لعبه المترجمون العرب في سياسات التعذيب في المعتقلات الأمريكية في العراق.