على الرغم من استحواذ فن المقالة الساخرة والتحقيق الصحفي على نتاج أستاذنا القاص علي خالد الغامدي على مدى أكثر من ثلاثة عقود تناول في هذه المقالات كثيراً من قضايانا الاجتماعية بأسلوبه الساخر واللاذع، إلا أن القصة كانت من إحدى الفنون الأدبية التي مارسها بمهارة وعالج فيها جملة من مشكلاتنا بجرأة وحبكة فنية استوقفت بعض النقاد الذين درسوا القصة القصيرة في المملكة. ولقد تهجت موهبته في هذا الفن ونشر جمهرة من نصوص القصصية في الصحف والمجلات وذلك في نهاية السبعينات الميلادية ومطلع الثمانينات الميلادية، وبعد إلحاح من زملاء المهنة ومجايليه جمع الغامدي بعضاً من هذه النصوص وأصدرها في كتاب تحت عنوان "أشكال الناس" وبقية موهبة القصة القصيرة متابعة في وجدان علي خالد الغامدي وتسكن اعماقه رغم العديد من المؤلفات التي صدرت له في فن المقالة والخاطرة لكنها لم تستطع أن تطفئ أداء القصة فأخذ يعود لها بين فينة وأخرى خفية وجمعها وأخرجها للمتلقي بعنوان "انقلاب رجل عادي" ليؤكد للقارئ أنه ما زال حفياً بالقصة وإن أخذته صاحبة الجلالة ردحاً من الزمن بين تحقيق صحفي جريء أو مقالة يعلق فيها على قضايانا الساخنة المجموعة التي صدرت عن دار شرفيات بالقاهرة، ضمت بين دفتيها إحدى وعشرين قصة قصيرة، جاءت القصة تحمل عنوان "ثرثرة من الدور العاشر" وهي تصور تشبث بطل القصة بالحياة وحبه لها وشغفه لالتقاط صور حية لما يراه في الشارع الذي يغدق عليه فيلماً حياً يجسد نبضه الناس على كافة مستوياتهم، وتأخذك قصة "الضحك على طريقة مسعد" نحو منحى فلسفي حيث يكون الضحك مرادفاً للبطل الذي جُبل على حب الخير فأضحى ديدنه في الحياة غير مكترث بما يؤول عنه. أما قصة "حلم" نجد الكاتب يجعل من البطل يحد من أحلامه فلا يسرف في أحلام ويحاول أن يكون واقعياً فيما يتمناه، ويستدعي انتباه القاص الغامدي في قصة "لغة مشتركة" ما كان يُجمع للجمعيات الخيرية والجهادية في الثمانينات الميلادية من قبل أفراد سلكوا هذه الطريق وامتهنوا هذه المهنة فقدموا إلى المملكة لجلب المال لهذه الجمعيات بواسطة تعاطف المواطن المجبول على حب الخير فيصور في هذه القصة بعض من برعوا في الفن التشكيلي ونقل مآسي المسلمين في بلادهم. وجملة القول انك تجد في كثير من نصوص القاص علي خالد الغامدي جوانب فنية بارعة ولغة بسيطة غير مخاتلة، فتنسال عليك القصة بكل نبضاتها ودفقاتها بعد أن يغمس قلمه في مواطن كثيرة من الحياة ليخرج للقارئ نصاً قصصياً مرتبطاً بالأرض بأزماتها وأحلامها دون رتوش وبلغة أكثر صدقاً وصفاءً مؤكدة أصالة موهبته القصصية وبقائها رغم كتاباته الصحفية التي لم تشغله عنها.