بعد أن ضيق الخناق على شركات التدخين الكبرى في نشر الدعايات الترويجية لمنتجاتها في وسائل الإعلام، لجأت هذه الشركات إلى نوع آخر من الدعاية يعرف بالدعاية (الرمادية)، وهذا النوع يعتمد بشكل كبير على الأسلوب غير المباشر في الدعاية، وهو أقوى تأثيراً وأبلغ أثراً وأكثر إيحاءً في نفس المتلقي من أنواع الدعايات الأخرى التي تستخدم الأسلوب المباشر.. ومن ذلك ظهرت تلك الدعاية الشهيرة التي تصور فارساً من (الكاوبوي) يدعى (بوب) وهو يدخن، فيقول له صديقه: (بوب.. لقد أصبحت مدخناً) .. ليشعره بأنه أصبح رجلاً فارساً بعد التدخين!، فيوحي ذلك للمشاهد أن التدخين من علامات الرجولة والفروسية!.. وقد حققت هذه الدعاية مفعولها في التأثير في نفوس كثير من الناس، مما حدا بالقائمين على مكافحة التدخين - فيما بعد - إلى استغلال هذه الدعاية استغلالاً أمثل لبيان خطر التدخين من خلال تغيير بعض عباراتها لتصبح: (بوب.. لقد أصبت بالسرطان!).. وقد استمرت شركات التدخين في استخدام هذا النوع من الدعاية بعد أن أثبت جدواه، فاستغلت الأفلام والمسلسلات من خلال عرض مشاهد لأبطالها وهم يدخنون، كما استغلت لعب الأطفال ولعب الكبار (البلوت) لترويج منتجاتها الخبيثة.. غير أنه لم يخطر ببال أصحاب هذه الشركات ولم يدر بخلدهم يوماً من الأيام أن أفضل دعاية لترويج التدخين ستقدم لهم مجانية من قبل بعض القنوات الشعبية، وذلك من خلال (المحاورات الشعرية) التي تعرضها هذه القنوات، حيث يعرض فيها الشاعر (النجم) صاحب الجمهور الكبير وقد أفحمه خصمه، فيمتشق (سيجارته) ويشعلها أمام أنظار الآلاف من المشاهدين الذين أغلبهم من الجهال والأطفال والمراهقين، فيوحي إليهم هذا المشهد أن هذه (السيجارة) هي مصدر الإلهام والإبداع لدى هذا الشاعر!.. وهذا بلا شك له انعكاساته الخطيرة على سلوك هذه الشريحة من المشاهدين.. وهكذا تقدم هذه القنوات الشعبية - من حيث لا تشعر - على شاشاتها وبشكل متكرر يومياً أخطر دعاية لترويج التدخين لم يحلم بها يوماً أصحاب شركات التدخين! ويزداد الأمر غرابة إذا علمنا أن هذه القنوات الشعبية تقدم في الوقت نفسه بعض العروض التوعوية لبيان أضرار هذه العادة الخبيثة!.. ويأتي هذا التناقض العجيب في ظل غياب الرسالة الإعلامية الهادفة الواضحة لدى القائمين على هذه القنوات الشعبية الذين لا يهمهم سوى جمع المادة من خلال استمطار الرسائل من هواتف المشاهدين. لقد أدرك علماء التربية والصحة والاجتماع خطر مثل هذه المشاهد على عقول الناشئة وتصرفاتهم وسلوكهم فطالبوا بالتقليل منها في المسلسلات الدرامية بل وحذفها نهائياً حتى لا تستغل هذه الأعمال التلفزيونية لترويج مثل هذه العادة القبيحة. وإذا كانت هذه القنوات الشعبية تزعم أنها تتعاون مع جمعية مكافحة التدخين من خلال تقديم بعض العروض التي توضح خطر هذه العادة الفتاكة على شاشاتها - وهذا عمل تشكر عليه ، فلماذا لا تسعى هذه القنوات إلى حذف هذه المشاهد التي تتخلل كثيراً من (المحاورات الشعرية) والتي تشجع على ممارسة هذه العادة الخبيثة أو على الأقل تتعامل معها كما تتعامل مع (شعارات) القنوات الأخرى عندما تزاحمها في تغطية أي مناسبة، حيث تقوم بطمسها وتظليلها حتى لا يراها المشاهد؟!!.. ولماذا - أيضاً - لا تشترط هذه القنوات على الشعراء وأصحاب المناسبات لعرض احتفالاتهم في شاشاتها ألا تتضمن هذه الاحتفالات أي مشهد يروج لهذه العادة السيئة أو أيّ سلوك غير سوي؟.. @وادي الدواسر - اللدام