من الجميل المحافظة على عادات وتقاليد الآباء والأجداد وعلى تراث الأمة والوطن وإحيائه بجميع أشكاله خوفاً عليه من الاندثار في زمن الثورة التقنية وتحويل المجتمع السعودي من المجتمع الريفي إلى المجتمع المدني. وانتشرت القنوات الشعبية التي تدعي أنها تحافظ على التراث لدينا في الآونة الأخيرة بشكل كبير، ولكنها وللأسف الشديد لم تقم بإحياء التراث، بل قامت بإحياء النعرات القبلية والمناطقية. فالعالم حولنا يتقدم في الصناعة والاختراعات والابتكارات والبحث العلمي، وإعلامه يدعمه ويسلط الضوء عليه ونحن ندندن ونتغنى بتاريخنا الماضي وأمجاد القبيلة، وما أن يشارك أحد أبناء القبيلة في مسابقة شعرية إلا وقامت الاحتفالات والكل ينخى الجميع على دعمه مادياً ومعنوياً وكأنه حصل على براءة اختراع في اكتشاف إنجاز يخدم الأمة والوطن. وإعلامنا وأقصد بذلك القنوات الشعبية تتسابق على تغطية الاحتفالات المعدة لذلك. والمتابع لهذه القنوات وما تقدمه لا يجد شيئا يستحق المتابعة، فكل ما فيه محاورات وغناء ليل ونهار ومدح وتطبيل.. وتوسعت بعض القنوات لإنشاء قناة ثانية تحمل الرقم (2) للقناة الرئيسية ومما يحز في النفس ما تقدمه هذه القنوات من أن تشاهد الصفوف والجماهير الغفيرة تصفق وتتابع حفل شاعر وتسليط الكاميرا عليه، وفي يده السيجارة الخبيثة وينقل على الشاشات وهو يشرب الدخان أمام الجميع. ويتكرر هذا المنظر كثيرا في شعر المحاورات، وكأنها دعاية مجانية لصالح هذا الداء الخبيث الذي انتشر بشكل مخيف بين شبابنا فإذا كان خلف الشاشة أب ولديه أطفال ويعلم الطفل جيدا أن والده معجب بهذا الشاعر لا سيما إن كان من أبناء القبيلة أو المنطقة ويرى والده يشيد به وفي يده هذه السيجارة سيكون لدى الطفل شعور بأن هذا الذي يشاد به قدوة في تصرفاته وسلوكه. ومن هذا المنبر الإعلامي أناشد الجمعية الخيرية لمكافحة التدخين (نقاء) التي لا تألو جهداً في تقديم كل ما من شأنه مكافحة التدخين مخاطبة الجهات ذات العلاقة في إيقاف هذه الدعاية الصريحة للتدخين.. ومن وجهة نظري الشخصية أن هذه القنوات الشعبية وإن شئت فقل العامية أنها مهددة بإلافلاس لان الناس ومن يتابع هذه القنوات تشبع من المدح والإطراء والثناء الكاذب والنفاق بكل أشكاله وأخذت هذه القنوات تتسابق في تقديم العروض والتخفيضات لمن أراد أن ينشر احتفاله على شاشة القناة, وفي الأخير آمل أن يرقى إعلامنا إلى إيصال هدف سام للمشاهد ويهتم بمضمون ما يقدمه.. وتحياتي للجميع..