استقبل معالي رئيس ديوان المظالم الشيخ محمد عبدالله بن محمد الأمين بمكتبه أمس سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية رئيس هيئة كبار العلماء الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ بمناسبة إلقاء سماحته محاضرة على منسوبي الديوان حول تحمل الأمانة والمسؤولية ضمن برامج النشاط الثقافي الذي ينظمه الديوان لمنسوبيه. وجرى خلال الاستقبال بحث الموضوعات ذات الاهتمام المشترك بين الديوان ورئاسة البحوث العلمية والإفتاء، ومشاركة أعضاء هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء في برامج التأهيل والتدريب لأعضاء السلك القضائي بالديوان، ضمن الخطط التي يسعى إليها الديوان لرفع المستوى وكفاءة الأداء لدى العاملين في السلك القضائي. حضر الاستقبال معالي نائب رئيس ديوان المظالم الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى والمستشار بمكتب معالي رئيس الديوان سعود بن محمد المفلح ومدير مكتب سماحة المفتي العام للمملكة عبدالحميد الفارس وعدد من المسئولين. بعد ذلك ألقى سماحة المفتي بحضور معالي رئيس ديوان المظالم محاضرة بعنوان "حمل الأمانة" أوضح فيها أن الله عز وجل جعل القرآن الكريم دستوراً لهذه الأمة فهو شرفها وعزها وسبب رفعتها وبقائها وقوتها قال تعالى: ((لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون)). وقال سماحته "ولا شك أن المعرضين عنه دليل على مرض قلوبهم وفساد فطرتهم قال جل وعلا عن المنافقين: ((وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون، أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون))". وأضاف سماحته "فالظالمون الذين إذا دُعوا إلى حكم الله أعرضوا وإذا أُمروا بالتحاكم إلى شرع الله أعرضوا ولم يستجيبوا ولم ينقادوا لأن فيهم مرض الشك والنفاق وأساءوا الظن بالقرآن وأساءوا الظن بالسنة، ورأوا أنهما غير قادرين على التحكيم والتحاكم، لذلك قال سبحانه: ((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما))". ووجه سماحته المسلمين بالرضا بحكم الله وأن يقنعوا بذلك وألا يكون في صدورهم حرج بل منقادون سامعون مطيعون قال تعالى: ((وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)). وبين أن الله عز وجل أمرنا بالعدل وحرم علينا الظلم وإن الله جعل العدل واجباً علينا وأمرنا به بقوله تعالى: ((إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)) مشيراً إلى أن هذه الآية اشتملت على كثير من الأوامر والنواهي فقد أمرنا بالعدل فيما بيننا وفي أنفسنا وفي ما بيننا وبين ربنا والعدل فيما بين أهلينا وأولادنا، والعدل فيما بيننا وبين مجتمعنا وكذلك ما بيننا وبين أعدائنا، فالعدل خلق المسلم لا يحيد يمنة ولا يسرة، لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ: ((واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) وجاء في بعض الألفاظ ((ولو كان فاجراً)). وأرشد سماحته القضاة إلى النظر في حال المترافعين أمامهم نظرة عدل وإنصاف، مراقبين الله قبل كل شيء في حكمه، عالمين أن هذا الحكم في الدنيا وإن مضى، وإذا لم يكن على وفق الشرع فلابد أن تعاد المظالم يوم القيامة. وحذر سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ من الدعاوى الكيدية انطلاقاً من أن الإسلام حذر من ذلك، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم حذر الأمة من الدعاوى الكيدية التي تقام بلا حق والتي مصدرها العدوان فقال صلى الله عليه وسلم: ((من خاصم في باطلٍ لم يزل في سخط الله حتى ينزع))، فالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام يحذر المسلم قبل أن يقيم الدعوى ويحذره قبل الدخول فيها، فينظر هل دعواه التي يقيمها له عليها بينة، وهل هو محق في ما يدعي، أم مبطل، فإن كان محقاً فليقدم فإن دفاع الإنسان عن حقه أمر لا عيب فيه لأن حفظ الأموال والدفاع عنها أمر مشروع، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من قتل دون ماله فهو شهيد)) وعرج سماحة المفتي إلى ديوان المظالم فقال "إن هذا السلك القضائي لا سيما في هذه الدار المباركة (ديوان المظالم) يجب أن يتحلى أهله بالخير والصدق وإن كان المظهر - ولله الحمد - طيب والسمعة حسنة ولكن مزيدا من الخير والتقدم فيه، والتحلي بالأمانة، والتعاون فيما بين أفراد هذا الجهاز، وأن يكون الجميع يدا واحدة، والقلوب متفقة والأهداف واضحة، والهدف الأسمى إيصال الحق إلى أهله وقطع دابر الفساد، وردع الظالم والأخذ على يده وإيقافه عند حده حتى لا يستشري الفساد". وأكد سماحته أن القضاء إذا انتظم واعتدل، وسار على الطريق السوي، واخلص فيه أربابه فيما بينهم وبين الله؛ سبب عظيم لإصلاح المجتمع. وأوضح سماحته في حديثه لأصحاب الفضيلة القضاة أهمية التعاون والتكاتف فيما بينهم وأن ذلك مدعاة لوحدة الصف وقوة الجهاز ورفعة شأنه وقال إن القضاة كلما كانوا على المستوى المطلوب في أنفسهم أخلاقاً وسلوكاً وتعاملاً ورفقاً بالمتخاصمين وعدلاً بينهم، كان أطيب لنفوس المتخاصمين فيخرجان وقد اقتنعا بما صدر من حكم. وأشار سماحته إلى التعاون بين أفراد الديوان وإن هذا أمر مطلوب، فإن هذا التعاون يجعل الجميع قوة، فالإنسان بالله ثم بإخوانه، تعاوناً على الخير وحرصاً على السعي في مصالح العامة التي تضمن أن يؤدي الديوان عمله على الوجه الأكمل وأن يتحمل مسؤوليته التي أنيطت به، حتى لو تضخمت هذه المسؤولية بكثرة القضايا الواردة له، مقارنة بما كان عليه العهد قبل سنوات. واختتم سماحته محاضرته بالتأكيد على استغلال الوقت فيما ينفع، والحرص على أداء المسؤولية المطلوبة. بعد ذلك أجاب سماحته عن أسئلة الحضور.