منذ قصيدة الشاعر خلف بن هذال إبان حرب تحرير الكويت، لم تبلغ قصيدة الحضور الطاغي والسريع كقصيدة الشاعر ناصر الفراعنة "ناقتي يا ناقتي". القصيدة يتناقلها جمع كبير عبر الهواتف المحمولة، وطالعها عبر موقع "youtube" أكثر من مليون زائر في ظرف شهرين. كما أن البحث عن اسم "ناصر الفراعنة" في محرك "google" قفز في شهرين من 10آلاف رابط إلى نحو المليون ومئة ألف رابط، في حين لم يبلغ الشاعر خلف بن هذال الأربعمئة ألف رابط. قد تكون للشاعر قصائد أخرى جيدة، لكن الأكيد أن قصيدته هذه نقلته إلى عالم آخر. بات أيقونة تتناقلها الهواتف والمواقع الإلكترونية، وأهزوجة يرددها الأطفال، وعنوان قصيدته يخط على الجدران وعلى زجاج السيارات. كل ذلك جرى سريعاً، جرى في شهرين. القصيدة، وإن كان مطلعها مبسطاً، إلا أنها مليئة بالمعاني واستحضرت مفردات من تاريخ منطقة نجد، وعكست، مع قصائد أخرى مدى إلمام الشاعر واطلاعه، وتنوعه المعرفي غير المحصور بتفاصيل البادية. ويمكن تفهم سبب انتشارها المذهل وتداولها غير المسبوق لأي قصيدة سابقة، وذلك ليس لفهم معظم المتلقين معانيها ومقاصدها، لكن لجودة الأداء المسرحي للشاعر، المتوافق مع لقبه "الفراعنة"، فأعطى العامة جواً مختلفاً، ووصف ب"فرعون الشعر". ولأنه بات نجماً صاعداً، خارقاً في صعوده، ألبسوه الجن، وكثر الحديث حول تداخله مع العالم الخفي. وهناك كثير من الشعراء من أتى على مفردات الجن في قصائده، ولم يثر انتباه الجمهور، وقد يكون لاسمه ولشعره ولأدائه ونظرات عينيه إلى الجمهور والشاشة، وخلطه مع عبارات الجن في قصائده دفع العامة إلى هذه المسألة. وللحق، فإن تأثير قصيدة واحدة للفراعنة له أن يفوق تأثيرات كل أحبار الصحافة السعودية على مدى عام، فعشاق القصيدة والمستمعون في بلادنا والمنطقة هم القوة الضاربة، والتعاطي معهم وتمرير الرسائل التوعوية والثقافية عبر القصائد النوعية سيكون مطلباً في مسيرة شاعر خطف الشارع فجأة. فنحن نعرف أن معظم الشبان في بلادنا ليس لديهم الاستعداد ولا القابلية لقراءة مقال، لكنهم يملكون القابلية والاندفاع السريع لسماع قصيدة يوصلها الشاعر، بأداء حماسي أو حتى هادئ، إلى نفوسهم قبل عقولهم، وأحياناً حتى دون فهم معانيها، كما قصيدة "ناقتي يا ناقتي". وللمعلومية، فإن كتاب المقالات في الصحافة، المحلية أو الخارجية، هم أصحاب الأرقام الأقل عدداً في المطالعة، فالتقدير الاكاديمي يقول إن بين كل عشرة أشخاص يقرأون خبراً في صحيفة هناك واحد يقرأ مقالاً. للفراعنة أن يحاكي يوميات الناس وهمومها بقصائده. لا أطلب منه أن يتحول إلى مشاكس في أروقة المؤسسات الحكومية، ولا مقرعاً في الدول المناكفة لبلادنا. هناك مساحة أخرى متاحة للحركة، فطالما أن فرص التعبير محدودة، وبعلو لا يصل إلى رأس ناقة، فلا بأس من استثمار هذه المساحة المحدودة (الشعر) للتنفيس، وإيصال الرسائل، سياسية كانت أو اجتماعية، مع تمنياتي أن لا يسمح لقصائده بالمرور في عالم الغناء، فهو اليوم ليس بحاجة إلى مغن لينشر قصيدته.