ربما يعد أبناء جيلي والجيل التالي له من تلك الأكثرية الساحقة في الجزيرة العربية التي تحمل اسم "عبدالله" فقد تكون "صالح" لكنك أخو "عبدالله" أو تكون "أحمد" لكنك ولد "عبدالله" وقد تكون "محمد" لكنك أبو"عبدالله". قد يكون اسمك تركي السديري.. أو يوسف الكويليت. لكن على طريقة لاعبي "البلوت".. "عبدالله" في "السرا" و"الحكم" و"الصن" موجود. وفي الحارة لم أكن - إلى وقت قريب - أعرف أن لدينا اسماء "مركبة" أو "ثنائية" إلى أن زارني أحد رفاق صباي.. وكان أن بادرت بالسؤال عن "أحوال عبدالله" فاتسعت عيناه بفضول وهو يستوضح: - مين فيهم.. عبدالله غنيم والا الحاج.. والا العسيري.. والا القحطاني.. والا الصاملي.. والا الزهراني.. والا الخماس.. والا القثامي.. والا.. والا.. - أف أثرها حوسه يا واد..! عندها اكتشفت علاقتنا بالأسماء المركبة والثنائية. فاذا كان اخواننا المصريون الذين يعدون أصحاب ظاهرة الأسماء المركبة والثنائية يمثلون حالة خاصة تشمل الصبيان والبنات كأن تكون "كريمة" في الأوراق الرسمية.. هي "سوسن".. بين أهلها ومعارفها.. فإن للذكور ثنائيات مثل "محمد علي" و"محمد صالح" و"محمد حسني" و"محمد مصطفى" وما إلى ذلك.. فان الأمر بين أبناء حارتنا يتخذ طابعاً خاصا باستثناء "الغنيم" و"الحاج" فان لكل "عبدالله" ممن عرفت اسما رديفا.. او اسم شهرة ينتشر بين أقرانه.. ولا يعرف الأهل عنه شيئاً. فاذا أردت أن تسأل عن "عبدالله باخشوين" مثلا لتسخر منه أو تقلل من شأنه فما عليك الا أن تقول: "يا عيال فين شنب البس".. أم "الصعوة" و"الأشطف" و"حويل" و"صرنقع" وقائمة تزيد على عشرة ألقاب أخرى لم أعد أذكرها رغم انها تدخل في سياق "الجماليات" السابقة.. فانهم جميعا "عبدالله". طبعاً عندما كبرنا وتفرقت بنا دروب الحياة استعاد كل منا اسمه.. لكن ما أن تلتقي بأحدهم.. وتستعيد الذكريات او تسأل الا ويصل أحدكما إلى درجة الاستنكار لعدم التذكر.. فيضطر للقول: - ياهو ما عرفته "دنقش".. فيقول الآخر باسماً: - قصدك عبدالله الصبياني.. أمه في الحارة.. لكن من زمان ما شفته. والغريب اننا جميعاً كنا نكتفي بذكر الاسم "عبدالله" و"اللقب".. وكان من الأمور الطبيعية أن تجد الاسم واللقب ينسحب على عدة أفراد في العائلة الواحدة.. فهو اسم "صاحبك" واسم "عمة" واسم "جدة" واسم ولد "أخوه". من هنا ربما جاءت أهمية ذكر اسم "الأم" للتفريق والتمييز.. والتنسيب أيضاً. كاد هذا أن يقربنا أو يعود بنا للمفهوم التاريخي القديم للمجتمعات البدائية.. التي كانت تسودها مفاهيم المجتمعات "الأمومية" التي ينسب فيها المرء ل "أمه" وليس ل "أبيه" والتي تميز بين الكتل البشرية الحضرية في التجمعات الزراعية.. وبين المجتمعات الرعوية.. والبدوية.. والتي كان الفكر الماركسي اللينيني يعتمدها كمحور أساسي للبحث في أصول وتطور ونمو الطبقة العاملة التي نشأت مع صعود المجتمع الصناعي والتي كانت نقطة الخلاف بينها وبين التيار الصاعد للمفهوم الطبقي الذي بلوره "ماو تسي تونغ" من خلال تبني المزارعين الذين تطوروا في الصين الحديثة لأكبر قوة عمالية صناعية بعيدا عن مفهوم "دكتاتورية الطبقة العاملة". لكن حقاً تثيرني فكرة الحديث عن "الأمومية" ليس للبحث في قضايا "النسب" لأن القرآن الكريم يؤكد على القول: (أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) - الأحزاب الآية 5، لكن لأن هناك مفارقات شبه سريالية أصبح معها النساء هن الأدنى والأذل. ما زلت أذكر والدي رحمه الله عندما كان يرى "عنادي" في بعض المواقف.. كان يعلن استسلامه بالقول: - ما في معاك فايدة.. ولد حميدة..!! وكم كان ذلك مدعاة لفخري واعتزازي.. وعندما توفاها الله.. قبل عدة أيام.. وقف صف طويل من أبناء الحارة الذين أرضعتهم ليتقبلوا فيها العزاء ويدعون لها بالرحمة.