بعد كل الذي قيل وكتب عن صدام حسين وافعاله هل يمكن ان يحصل هذا الرجل على محاكمة عادلة؟ واذا كان هذا السؤال قد وجه الي قبل عام من الآن عندما علمت لاول مرة عن المحكمة الخاصة التي سيقف امامها صدام حسين لكانت اجابتي على الفور وبانفعال طبعا لا وفي الحقيقة فقد سبق لي ان كتبت بانه ربما يتم النظر الى المحكمة الخاصة بانها محكمة عميلة لسلطات الاحتلال اعد تشريعاتها خلال فترة احتلال امريكي للبلاد وتمول من قبل الولاياتالمتحدة كما وان الحكومة العراقية المؤقتة والمعينة من الولاياتالمتحدة هي الجهة التي اختارت قضاتها يعاونهم في ذلك مستشارون امريكيون وكل هذه الاشياء تبدو واضحة ولكن بوجود اسلحة دمار شامل في قضيته او بدونها فان صدام حسين قد حوكم بالفعل من قبل محكمة الرأي العام الدولي بسبب الفظائع التي ارتكبها. وكانت وجهة نظري السالبة تجاه المحكمة الخاصة قبل ان اقضي اسبوعا في لندن في اكتوبر الماضي تلبية لدعوة من مكتب الجرائم التابع لوزارة العدل العراقية في بغداد والذي يساعد في تدريب قضاة المحكمة العراقية الخاصة والذين سيظهرون قريبا على الساحة الدولية واقنعنتي تجربتي هناك بانني كنت مخطئا بحق المحكمة الخاصة. ففي الاسبوع الماضي قال رئيس وزراء الحكومة العراقية المؤقتة اياد علاوي بان جلسات الاستماع التي تسبق المحاكمة في جرائم الحرب ضد كبار مساعدي صدام حسين ستبدأ خلال ايام وبالفعل عقدت اول جلسة استماع مؤخرا ومثل امامها اثنان من المسؤوليين العراقيين السابقين احدهما على حسن المجيد الفريق السابق والقريب الصلة بصدام حسين والمشهور بلقب على الكيماوي. ويوم الخميس الماضي التقى كذلك صدام حسين لاول مرة مع احد محاميه لمدة اربع ساعات ولا اعتقد ان صدام حسين كان يضيع وقته سدى خلال ذلك الاجتماع كما لا اعتقد بان صدام حسين سيخرج من محاكمته المرتقبة بريئا من كافة التهم ضده ولكن يمكن ان لا تتم ادانته في بعض الجرائم المتهم بارتكابها غير ان عدم تبرئته من بقية التهم ضده لايعني مطلقا بان المحاكمة غير عادلة . اما لماذا غيرت وجهة نظرى تجاه المحكمة العراقية الخاصة؟ اولا لانني قد علمت بان العراقيين لعبوا الدور الاكبر في صياغة التشريع والنظام الاساسي للمحكمة خلافا لما كان يعتقد من قبل فقد اصر العراقيون على موقفهم تجاه اعتراضات امريكية مبدئية خاصة بتضمين المادة 14 التي تخول للمحكمة مقاضاة صدام حسين بجريمة الاعتداء بالاضافة الى جرائم حرب والجرائم ضد الانسانية والابادة الجماعية علما ان جرائم الاعتداء لم تحاكم منذ عام 1945 في نورمبيرغ والولاياتالمتحدة والمتهمة نفسها بخوض حروب عدوانية غير مبررة استطاعت بنجاح ابعاد ذلك من تشريعات محكمة يوغسلافيا ومحكمة رواندا والمحكمة الخاصة في سيراليون ومن المحكمة الجنائية الدولية الدائمة وبالتالي فان تضمين هذه المادة يوضح بان اجراءت المحكمة لم يتم تمليتها كلمة بكلمة من قبل الامريكيين. ثانيا، انه في هذا الوقت الذي يشهد اعمال مقاومة عراقية فان القضاة العراقيين يجازفون بحياتهم بقبولهم هذا التكليف وبالتالي يظهر شجاعتهم في اصدار قرارات عادلة، وكان اكثرهم اثاره لاعجابي من الذين التقيت معهم القاضي رايد جوهي السعدي البالغ من العمر خمسة وثلاثين عاما والذي ترأس المحكمة التي شهدت الظهور المبدئي لصدام حسين امامها في يونيو الماضي وبسبب التغطية الاعلامية الواسعة لذلك الحدث فلربما اضحى السعدي اكثر الشخصيات شهرة في العراق بعد الشهرة التي كانت فيما مضى لصدام حسين. وقد ابلغني ذلك القاضي بانه اعطى الخيار في عدم اظهار وجهه امام الكاميرات اثناء الاجراءات القضائية ولكنه لايرغب في ان تكون المحكمة عرضة للانتقادات مثل تلك التي كانت في محاكم في بيرو وشيلي عندما كان القضاة يرتدون اغطية للراس والوجه ولذلك فانه فضل ان يجازف بسلامته الشخصية لاظهار وجه العدالة العراقية ولاظهار التزام المحكمة بالعدالة ومن المنتطر ان يحتذي القضاة الاخرون حذوه خلال المحاكمات الفعلية. وفي الوقت الذي توجد فيه ادلة دامغة كثيرة للغاية على الفظائع التي ارتكبها نظام صدام حسين فان القضاة اقروا في لندن ان ادانة صدام حسين في بعض الجرائم يمكن ان تكون صعبة فلربما يجادل الدفاع بان الاتهام لايمكنه اثبات ان صدام حسين كان يعتزم ارتكاب جرائم محددة او واضحة او ان له صلة مباشرة مع تلك الجرائم حتى بالنسبة للمذابح ضد الاكراد وتجويع فئات اخرى من العراقيين عن طريق تجفيف مستنقعات في جنوب العراق ولربما يجادل الدفاع بانه فعل ذلك من اجل قمع تمرد وليست لابادة الناس ولكن حتى اذا قبلت المحكمة مثل هذه المجادلة القانونية فان صدام حسين ربما تتم ادانته بارتكاب جرائم حرب ولكن دون الابادة الجماعية، وفي هذه الحالة فانه بدون وجود الكثير من الادلة الوثائقية فان شهادات مساعديه ستكون مهمة للغاية. واذا ما اتهم صدام حسين بالعدوان بدون مبررات فانه ربما يجادل بان غيره فعل ذلك ايضا ويكون مثل قول الادميرال الالماني كارل دونتز في الدفاع عن نفسه خلال محكمة نوربيرغ عندما اتهم الادميرال الالماني انذاك بخوض حرب غواصات غير مقيدة في الاطلنطي واسرع محاميه بابراز شهادة خطية مشفوعة بقسم من الادميرال الامريكي شيستر نيميتز قال فيها انه فعل نفس الشيء تماما في المحيط الهادي وبناءا على ذلك فقد تمت تبرئة الادميرال الالماني في محكمة نوربيرغ على اساس ان القانون الدولي الذي يجرم حرب الغواصات غير المحصورة لم يتم اثباته في قضيته ولربما يحاول صدام حسين الاستشهاد بالجدل الدولي بشأن قانونية الغزو الامريكي وعدم مقدرة المجتمع الدولي المستمرة في ايجاد تعريف للعدوان لاستخدامه في المحكمة الجنائية الدولية الدائمة .ومثلما حدث في محكمة نوربيرغ قبل ستين عاما فاذا تم تقديم ادلة دامغة ضد صدام حسين ومعاونيه فان نفي المزاعم بان صدام حسين لم يتلق محاكمة عادلة سيستغرق وقتا طويلا وقضاة المحكمة العراقية الخاصة مدركون تماما لهذا الامر ولذلك فانهم يرغبون في التأني في اجراءت المحاكمة لتكون عادلة تماما بخلاف اولئك الذين يرغبون في سرعة هذه المحاكمة واجراءاتها. ٭ مايكل شارف استاذ قانون ومدير مركز فردريك كوكس للقانون الدولي بكلية القانون بجامعة كيس ويسترن ريزيرف ومؤلف كتاب «السلم مع العدل». (واشنطن بوست)