لم تنتبه السيدة التي تجلس مع طفلها خلف السائق في السيارة لعدم ربطه حزام الأمان عند القيادة ربما لانشغالها، إلا بعد أيام من عمله لديها، حيث لاحظت أنه لا يربط الحزام، إلا إذا لاحظ اقتراب سيارة الدورية أو المرور أو يسارع إلى ربطه في الإشارات التي يقف فيها عسكري فقط، ومن ثم يعاود فكه بمجرد مغادرة الإشارة. وعندما سألته لماذا لا يربط حزام الأمان اثناء القيادة، قال لها إنه لا يحب ربط الحزام، وإنه لا توجد مشكلة في ذلك. تقول اخبرته بالغرامة التي ستدفع إن لم يربط الحزام، قال لها، ما في مشكلة مدام أنت أخصم من الراتب، أو أنا يدفع. سيدة أخرى اشترطت على السائق قبل أن يعمل لديها أن لا يتحدث في الجوال اثناء قيادة السيارة لأن في ذلك خطورة على من يركب معه، وأيضاً تزعجها الأحاديث اثناء القيادة خصوصاً إن طالت. تقول إنه وافق، ولكن لاحظت أنه طوال فترة المشاوير التي تكون فيها معه لا يتوقف جواله عن الرنين، ولا يتوقف هو عن الرد، والثرثرة والحكايات مع أبناء جلدته، حتى اضطررت لتغييره، بعد أن قال، انه ما في مشكلة أن يتكلم وهو يقود السيارة أو خطورة. الطريف أنني قبل فترة كنت مع صديقة في سيارتها، ولاحظت انطلاق نغمات متعددة من جوالات في السيارة، وكان السائق يرد على كل نغمة على حدة وعندما استفسرت قالت ببرودها المعتاد، إن السائق لديه ثلاثة جوالات، يقود السيارة وهو يتحدث فيها، وليس لديها خيارات أخرى لإلزامه بترك الجوال، بعد ان استنفدت كل وسائل الردع. بالنسبة للسائق السعودي، فإنه يقف عند إشارة المرور منتظراً، بالحديث في الجوال وينطلق في الطرق السريعة متحدثاً، ويغادر السيارة ويدخل إلى المحل مواصلاً ويصل إلى بيته ويكمل الحديث الذي لم ينقطع، في ظل طغيان مفرط لاستخدم الجوال اثناء القيادة. والكارثة أن كثيراً من الحوادث يقع من استخدامه، وعدم الاهتمام بمتابعة الطريق، والتعامل مع هذه الثقافة المستجدة وهي ثقافة الاستهتار بالأرواح، والإحجام عن التركيز، وانجاز كل المكالمات غير المهمة، واختلاق غيرها في السيارة. منذ سنوات كتبت عن تحول الجميع من أعلى إلى أسفل لمهمين، وغير قادرين عن الاستغناء عن الجوال أو الكلام، ولابد من انجاز أعمالهم داخل سياراتهم. بل على العكس يتباهى البعض بالحديث في الجوال في الأماكن العامة ويستعرض عدد جوالاته وموديلاتها أمام الآخرين. الآن وبعد سنوات على هذا الاستخدام الخاطئ داخل السيارات وتركه مفتوحاً في المساجد، والعزاء، والندوات، والأسواق، والمحلات، وتسارع فتحه في الطائرات قبل هبوطها على الأرض، والاستماع إلى ذلك الهدير من الرنين ولاتزال الطائرة تترنح على أرض المطار ماذا سيفعل سائقو السيارات بعد تطبيق عقوبة استخدام الجوال عليهم في الأيام القادمة؟ وكيف سيتهيأون لمواجهة هذه العقوبات، وترك جوالاتهم التي أدمنوا استخدامها في السيارة؟ كيف ستطبق العقوبات، وهل سيكتفى بها أمام عسكري المرور، أو سيارات المرور عندما يصادف ان تكون ماراً من أمامها؟ وهل يظل الوضع كما هو عليه غير قابل للتغيير في ظل مقاومة جارفة للتغيير لما هو مستحدث؟ وهل هذه الأنظمة المتأخرة التي تطرح مقاييس موضوعية ستحقق أهدافها، وستغلق مواطن الخلل؟