تشهد تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة في الاستثمارات تميزا فريدا ومتطورا على المستويين الإقليمي والعالمي نتيجة تناغم السياسات الحكومية مع جهود القطاع الخاص بفضل توجهات القيادة وسياسات الحكومة، والتي أدت إلى قيام شراكة حقيقة بين القطاعين جعلت أسواق الدولة مقصدا للشركات العالمية الكبرى ومركزا مفضلا للاستثمارات الأجنبية المباشرة. وتشهد دولة الإمارات في هذه المرحلة تطورا نوعيا ومميزا في حركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، في الوقت الذي أصبحت فيه أسواق الدولة مركزا لنشاط وأعمال الشركات العملاقة التي تبحث عن النمو على المستويين الإقليمي والعالمي مدعوما بإرادة سياسية تعمل باستمرار على تحقيق الإنسانية في النمو والاستمرار في توفير المناخ الاستثماري المثالي أمام المستثمرين المحليين والعالميين، ومدفوعا بجاذبية قوية من حيث بيئة العمل والفرص المتنوعة. ولعل نمو الاستثمار الأجنبي المباشر في دولة الإمارات العربية المتحدة وفق نتائج المسح الميداني الذي أجرته الحكومة بالتعاون مع جهات إقليمية وعالمية خلال عام 2007بنسبة 8ر 10بالمائة في عام 2006ليصل إلى حوالي 19مليار دولار مقارنة بعام 2005الذي بلغ فيه الاستثمار الأجنبي حوالي 17مليار درهم مؤشر قوي على تعاظم ثقة المستثمر الأجنبي بالبيئة الاستثمارية في دولة الإمارات، خاصة أن هذه النتائج جاءت أعلى من الأرقام التقديرية السابقة بنسبة 47بالمائة، فيما تعددت القطاعات الاقتصادية التي ساهمت في تحقيق هذا النمو من قطاع الخدمات المالية بنسبة 4ر 34بالمائة، وقطاع التشييد والبناء (الإنشاءات) بنسبة 29بالمائة، وقطاع تجارة الجملة والتجزئة / التجارة الداخلية بنسبة 14بالمائة، وقطاع الصناعات التحويلية بنسبة 1ر 10بالمائة. كما وصل عدد الشركات الأجنبية التي منح لها الترخيص لمزاولة العمل في أسواق الدولة (296) شركة أجنبية خلال عام 2007مقابل (254) شركة أجنبية خلال عام 2006ليرتفع إجمالي عدد الشركات الأجنبية العاملة بالدولة والمسجلة بوزارة الاقتصاد (2515) شركة أجنبية، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الشركات العاملة في المناطق الحرة المنتشرة في مختلف إمارات الدولة. فيما بلغ عدد شركات المساهمة الخاصة التي تم تأسيسها بدولة الإمارات (18) شركة بلغت رؤوس أموالها ( 744ر1) مليار دولار ليرتفع بذلك إجمالي عدد شركات المساهمة الخاصة إلى (99) شركة برؤوس أموال تصل إلى حوالي ( 411ر7) مليارات دولار. وتأتي هذه المؤشرات الإيجابية استكمالات للجهود المستمرة في تعزيز دور القطاع الخاص عموما وشركات المساهمة العامة والخاصة حيث شهد عام 2006تأسيس 39شركة مساهمة برأسمال إجمالي بلغ حوالي ( 540ر6) مليارات دولار. ودفعت هذه المعطيات مؤسسات مالية دولية إلى الاستمرار في رسم صورة مشرقة عن اقتصاد الإمارات والتي في مقدمتها صندوق النقد الدولي الذي أصدر مؤخرا تقريرا قال فيه إن الآفاق تبدو مشرقة في الأجل المتوسط مدعومة باستمرار توقعات إيجابية لأسعار الطاقة نظراً لقوة الطلب العالمي وقوة الاستثمار وتحسن مناخ الأعمال المحلي. كما احتلت دولة الإمارات وفق تقديرات الصندوق المرتبة الأولى على مستوى الدول العربية في جذب الاستثمارات الأجنبية والمرتبة 22ضمن أفضل اقتصاديات العالم. وقد عززت هذه التطورات الإيجابية عوامل القوة الكامنة لدى اقتصاد دولة الإمارات خلال عام 2007، والذي نجح في تحقيق معدلات نمو هي الأقوى والأسرع في المنطقة، وبدء مرحلة جديدة من النمو، خاصة مع تطور حجم الاستثمارات في المشاريع الكبرى والتي شملت قطاعات متعددة مثل الصناعة والإنشاءات والعقارات والسياحة، مما يجعل الاقتصاد الوطني في مقدمة اقتصاديات المنطقة، وواحدة من أقل الدول اعتمادا على النفط كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين نما الناتج المحلي الإجمالي للإمارات خلال عام 2007وفق التقديرات الأولية بنسبة 5ر 16بالمائة لتصل قيمته إلى 2ر 190مليار دولار مقارنة بعام 2006الذي بلغ فيه الناتج المحلي للدولة حوالي 2ر 163مليار دولار، فيما بلغ معدل النمو الحقيقي للاقتصاد الوطني 4ر 9بالمائة خلال عام 2006مقارنة بعام 2005.وتكمن الأهمية الإستراتيجية للاستثمارات الأجنبية بعدة عوامل أبرزها زيادة رؤوس الأموال في الدول، في الوقت الذي تمثل فيه هذه الاستثمارات مصادر مهمة للموارد المالية الخارجية اللازمة لعملية التنمية الشاملة، إضافة إلى مساهمتها في نقل الخبرة والمعرفة والتكنولوجيا، وقدرتها على أن تكون مدخلا إلى السوقين الإقليمي والعالمي. وتعكس هذه الحركة النشطة لمجمل مكونات الاقتصاد الوطني الجهود الكبيرة التي تبذلها القيادة و الحكومة نحو تطوير الأداء الاقتصادي في الدولة من خلال تحديث الإطار التشريعي والقانوني الناظم لقطاع الأعمال في الإمارات بما ينسجم مع الإيقاع السريع لنمو اقتصاد الدولة والقدرات التنافسية العالية له على المستويين الإقليمي والعالمي وجذب الاستثمارات الأجنبية. وفي هذا الإطار قامت دولة الإمارات خلال العامين الماضيين بإصدار العديد من القوانين والتشريعات الاقتصادية مثل قانون الاستيراد والتصدير وقانون حماية المستهلك وقانون إنشاء هيئة التأمين، وتعديل بعضها الآخر الذي كان قائما مثل قانون الشركات التجارية وقانون الوكالات التجارية والتي صدرت بشأنها مراسيم وقوانين إتحادية ساهمت في تنظيم حركة النشاط الاقتصادي في الإمارات والمحافظة على توازن سوقها، فيما تعمل الدولة حاليا على مراجعة العديد من القوانين الأخرى القائمة لتنسجم مع الاحتياجات المتنامية للاقتصاد الوطني وتزايد دور للقطاع الخاص وتتسق مع التزامات المنافسة الدولية، في حين انتهت الحكومة من إعداد مسودات قانون المنافسة الذي يهدف إلى حماية و تعزيز المنافسة في الاقتصاد الوطني من خلال توفير بيئة محفزة لمؤسسات الأعمال وتعزيز الدور الخاص لمؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة كفاعل رئيسي في عملية التنمية وإبطال التصرفات أو الاتفاقات والترتيبات بين مؤسسات الأعمال التي قد تفضي إلى الإخلال بالمنافسة أو الحد منها أو منعها. كما تعد الحكومة حاليا قانوناً شاملاً ومتطوراً للاستثمار الأجنبي وقانوناً جديداً للشركات بما يتواكب مع التطورات السريعة الحاصلة في اقتصاد الإمارات وتتواكب مع المستجدات الاقتصادية الإقليمية والعالمية. وتعد المقومات الغنية التي تمتلكها دولة الإمارات عنصرا داعما للأداء الاقتصادي في دولة الإمارات عموما وجذب رؤوس الأموال الأجنبية واستقرار الشركات العالمية والإقليمية في أسواق الدولة، حيث تتمثل أهم هذه المقومات بحرية تدفق رؤوس الأموال وانعدام القيود على إعادتها والإعفاء الكامل من ضريبة الدخل على مستوى الأفراد والشركات مع حرية تحويل رأس المال والأرباح دون قيود وعوائق، ورسوم جمركية لا تتعدى 5بالمائة، وإعفاء كامل من تلك الرسوم على كافة السلع الغذائية والسلع الرأسمالية والوسيطة التي تدخل في الصناعة الإنتاجية، والموقع الجغرافي الإستراتيجي المتميز للدولة التي تعد أفضل نقطة توصل مناطق العالم ببعضها مما ينعكس ايجابيا على القدرة التسويقية للدولة سواء لما ينتج فيها أو ما ينقل منها عبر تجارة إعادة التصدير إلى دول العالم المختلفة. و تمتلك الإمارات بنية تحتية متطورة وفق أرقى المواصفات العالمية وأعلى مستويات التقنية الحديثة من خلال امتلاك ستة موانئ بحرية دولية تستقبل السفن العملاقة باختلاف حمولتها تنتظرها مستودعات حديثة للخزن مجهزة بأحسن الوسائل، بالإضافة إلى ستة مطارات دولية تستقبل مختلف الطائرات والطرق البرية السريعة والمنظمة التي تربط الدولة بالعالم مع احدث شبكة اتصالات عالمية وفق احدث المواصفات العالمية. كما تمتلك الإمارات العديد من المناطق الحرة التي تتيح إقامة وتملك المشاريع بنسبة 100بالمائة والاستفادة من التسهيلات والخدمات المقدمة والإجراءات الميسرة والمشجعة، وسوقا رسمية للأوراق المالية وسوقا دوليا للسلع والمعادن ومركز عالميا للأوراق المالية وشبكة واسعة من البنوك الوطنية والدولية ذات السمعة الجيدة والتعامل الحر والسريع، إضافة إلى مكاتب تمثيل لها ومؤسسات مالية أخرى تعمل وفق نظام متكامل، وقطاعا خدميا متطورا تقدم خدمات صحية ومراكز طبية عالمية و خدمات تعليمية وجامعات مهنية ومراكز تدريب عالمية، بالإضافة إلى جود خدمات سياحية وترفيهية وفندقية عالمية المستوى.