نجحت إمارة دبي في أن تجمع على أرضها كل حضارات وثقافات وأجناس الأرض من خلال مشروع سياحي ضخم أسمته "القرية العالمية". وتكفي جولة في هذه القرية لترى فيها أصحاب البشرة السمراء القادمين من أعماق أفريقيا يقفون جنبا إلى جنب وأصحاب الشعر الأشقر أبناء القارة الأوربية، والى جوارهم مواطني جنوب شرق آسيا واستراليا وأمريكا الجنوبية. ويرى الزائر لأجنحة القرية ابن السودان بجلبابه ناصع البياض، ويلتقي المصري الصعيدي بعمامته المميزة، واليابانية مرتدية الكيمونو الشهير، والهندية بالساري، والمكسيكي بقبعته العريضة. كما يتذوق الزائر مختلف أنواع الأكلات الشعبية العربية والغربية، حتى تلك التي اختفت منذ سنوات طويلة، فرائحة "المندي" تغمر الجناح اليمني، وأطباق "الملوخية والفول والفلافل" يتفاخر بها أبناء مصر و"المكدوس" يزين جناح سوريا، وزجاجات زيت الزيتون لا تفارق ارفف الجناح الفلسطيني. وتعد القرية العالمية عبارة عن مزار يجمع عدداً كبيراً من الدول، وتقيم كل دولة جناحا خاصا بها يعرض منتجاتها وأزيائها وتقاليدها ومجسمات لأهم معالمها ومزاراتها. وتقام هذه القرية سنويا في دبي منذ عام 1996وتبلغ مساحتها 17مليون قدم مربع، وتعدها دبي أحد أهم مزاراتها لجذب شرائح مختلفة من سياح العالم خلال مهرجان دبي للتسوق. وصرح عبد الرضا بن علي بن رضا المدير التنفيذي للقرية لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) بأن الهدف من المشروع هو جمع مختلف الثقافات والحضارات وتراث العالم على أرض واحدة، تحقيقا لشعار مهرجان دبي للتسوق "عالم واحد، عائلة واحدة. ويمضي قائلا: "القرية فتحت أبوابها هذا العام يوم 13كانون أول (ديسمبر) وسوف تستمر حتى الأول من مارس المقبل، وهذا العام جمعت 39دولة بينها ثلاث دول جديدة هي بنجلاديش وسريلانكا وتنزانيا. ويعد الجناح المصري أحد أبرز أجنحة القرية، فقد تم تصميمه على هيئة معبد أبو سمبل الفرعوني، ويقف أمامه تمثال ضخم للملك الفرعوني رمسيس الثاني. ويجذب الجناح آلاف الزوار يوميا لالتقاط الصور التذكارية إلى جانبه. ويشعر كل من يزور هذا الجناح انه يزور أحد أحياء القاهرة، فعلى أبوابه تستقبلك أم كلثوم وهي تغني سيرة الحب والأطلال، لتصحبك في زيارتك التي ترى خلالها المشغولات اليدوية ومنتجات السوق الشعبي الشهير خان الخليلي، والتماثيل الفرعونية الصغيرة القادمة من مدينة الأقصر الأثرية. ويقدم الجناح لزواره مجموعة كبيرة من المأكولات الشعبية المصرية بداية من الفول والفلافل وحتى الكشري والكوارع والحمام المحشي. وعلى مسرح الجناح المصري تقدم فرقة البحيرة للفنون الشعبية عروضا شعبية متعددة، تبدأ من رقصة "التحطيب" الصعيدية مرورا برقصات السمسمية، وأغنيات الريس متقال التراثية. وتقول شيماء يحيى وهي مصرية مقيمة في دبي لوكالة الأنباء الألمانية "لقد شعرت بعد زيارتي للجناح المصري، أني عدت من جديد لوطني، وتحديدا شعرت أنني أمضيت أمسية جميلة في حي الحسين الشعبي بالقاهرة. وعلى مقربة من هذا الجناح أقامت السعودية جناحا متميزا تفوح من جوانبه رائحة القهوة العربية، التي يقدمها القائمون على الجناح للزائرين عملا بتقاليد الضيافة العربية. ويتميز الجناح بعرضه أكثر من 10أنواع من التمور التي تشتهر بها المملكة، وأبرزها السكري والخلاص وحاتمي، وتشهد جميعها إقبالا كبيرا من الزائرين خاصة الخليجيين منهم. والى جانب التمور، تفوح رائحة العطور السعودية، وعلى رأسها العطور المشبعة برائحة العود والمخلط والمسك. ويعود الجناح المغربي بزواره إلى أيام الأندلس، بتقديمه كتبا عن حياة الأندلس ومنتجات المغرب العربي يدوية الصنع كالأدوات النحاسية المطلية بالفضة. أما البحرين فتجذب زوار القرية بأنواع مختلفة من البخور، خاصة بخور العنبر والعود والصندل والمسك. ولأنها تعرض البخور، فلابد أن تعرض أشكالا متعددة من المباخر التي يقبل عليها أبناء الخليج. ويعتمد جناح لبنان على عرض أنواع مختلفة من خيرات الجبل يتقدمها العسل ومربات المشمش والتوت والفراولة، إضافة إلى أصناف من الجبن والمخللات. وحرصت إيران في جناحها على عرض تشكيلة متنوعة من المكسرات والفواكه المجففة المقطوفة من إقليم شيراز، إلى جانب الزعفران المزروع في مدينة مشهد. ويقدم جناح التشيك لزواره أشكالا وألوانا من الكريستال، وهو أمر ليس بغريب، كون التشيك تحمل لقب عاصمة الكريستال الأوروبية منذ 500عام. وتهتم الهند في جناحها بعرض أزيائها الشعبية يتقدمها الساري واللهانجا وملابس للرجال مستوحاة من قصص ألف ليلة وليلة. ويشعر من يدخل أجنحة دول أفريقيا خاصة غانا وغينيا وجنوب أفريقيا أنه في غابة، فجميع المعروضات عبارة عن مشغولات يدوية منحوتة من الطبيعة، كالأحجار والخشب الأسود، وأكثر هذه المعروضات هي الأقنعة والطبول، وتماثيل لحيوانات مفترسة. أما الصين فتستقبل الزوار في جناحها بمجسم لتنين عملاق، وتبهرهم برقصات صينية تعتمد على الحركات الجماعية والقفزات العالية، كرقصات العصا والتنين والأسد والتوازن. ويخرج الزائر من "القرية العالمية" يغلفه شعور بأنه تجول في أنحاء الكرة الأرضية كافة في متحف مفتوح، بعد أن شاهد معابد الفراعنة في جناح مصر، وفنون المعالم الفارسية في الجناح الإيراني وفنون العمارة الإسلامية في تركيا والتراث العربي في جناحي السعودية والمغرب والعمارة الآسيوية في جناح الصين.