من أشعار حميدان الشويعر قوله: ما يقضبها كود الولعه والفقر خديد يم أجواد ودك ياطى كل زنقه ودك ياطى عير ينكر عقب الصمعا صلف نهقه ويقول هذا في زمن مضى فات عليه أكثر من مائتي سنة، في وقت يعم فيه الفقر وتكثر فيه الحاجة، ويقل فيه من يجد شيئاً يغنيه أو يشبعه فضلاً عن وجود فائض أو تبذير ومع ذلك يؤكد أن هناك من لا يحترم النعمة التي هو فيها، ويشير إلى شريحة وصف الواحد بأنه: (عير ينكر) يعني حمار، يشبهه به في النكر وهو الرفس بالأرجل ويزيد في صفة أخرى هي: (صلف نهقه) أي عالي الصوت مثله، وما هذا التشبيه إلا لتحذير المجتمع من جحود النعمة أو اعتبارها شيئاً عادياً وجدت لتكون مدعاة للكسل وقلة العمل والأخذ منها بكل ما تشتهيه النفس. ولاشك ان هذا الأسلوب من الدعة والخمول مرفوض في كل زمن حتى ولو كان الفرد يملك المال أو لديه شيء يفي بحاجاته، فليس الهدف من العمل توفير المتطلبات فحسب بل من أهم اهدافه النهوض بالحياة العامة: الاجتماعية والاقتصادية والمشاركة في كل ما يسعى المجتمع إلى تنميته والرقي به. أقول: ماذا لو رأى الشاعر: حميدان الشويعر بعض صغار السن اليوم وهم فاقدو الإحساس بوجود النعمة، بل ويقابلونها بالجحود بكل أنواع ذلك الجحود الذي لم يحصل حتى في زمن الجاهلية. ماذا لو رأى السهر والضياع وكل انواع اللهو والترف التي تبعد عن السلوك القويم وتقرب من الانحطاط وقد انجرف وراءها شباب في عمر الزهور أو الأغصان وعدة المستقبل ورجاء الأمة وأمل الأهل الذين ينتظر منهم غد مشرق. بالعرفان والشكر والامتنان، وعرفناها ووضعناها في مكانها الصحيح وأدرك جيل اليوم الذي عاش منغمساً في تلك النعمة حتي الغفلة انه لا يملكها إلى الأبد ولم توهب ولن توهب إلا من الله الواحد الأحد؟ إن كبار السن الذين يعيشون بيننا يرتعدون خوفاً من زوال النعمة التي بين أيدينا، ويرون ان جيل القنوات والتفحيط وقصور الأفراح التي بدأ السوس ينخر في ملابس النساء الحاضرات فيها حتى قرب العري ونزع الحياء وكذا الإسراف في المأكولات وتبديد النعمة بعد كل الشبع والتخمة يرونها كلها ورؤيتهم صادقة أنها ترف يسبق عاصفة الزوال إن بقي التمادي في الانزلاق المميت والمهلك. لقد جرب أجدادنا وجيل الأمس كل معاني الخوف والقلق وانعدام الأمن حتى إن ثوب احدهم كان يؤخذ من فوق بدنه فيفد إلى أهله عاري الجسم، هذا إن عاد أما الجوع فحدث ولا حرج وكان الفقر يضرب بأطنابه في كل مكان. أختم بكلمات قليلة توجه لكل من يقرأ هذا القول: إن جيلا لا يراعي النعمة ويحترمها ومجتمع لا يمنع المترفين من غيهم وضياعهم ويشكر نعمة هو فيها مجتمع ينقرض وتقوده سلبيته بلاشك إلى الزوال والهلاك، والسلام.