ضعف صلة الأرحام أصاب أركان الأسرة الواحدة وما نراه من انشغال الأبناء عن اهليهم، وقد بلغ الامر مداه من القسوة الى حد اصبحنا نسمع عن حوادث عنف ضد آباء وامهات لم تخلو من حد القتل، فما الذي جرى في الدنيا، وقد اصبحت دور سنين أرحم عليهم من من قلوب كالحجارة أو أشد قسوة. واليوم وآه من حالنا في هذه الأيام، فلا نسمع سوى الشكوى من خسائر الازمة الاقتصادية التي حركت الدنيا واقامتها ولم تقعدها بعد ان التهمت اموالا لا حصر لها وهكذا تحركت الدنيا لان الاغنياء خسروا كثيرا، بينما يجأر فقراء العالم بالشكوى من حالهم، ومن قسوة الحياة لا من ضيق ذات اليد فقط، ومن صعوبة الحياة التي حاصرتهم من كل ناحية. لان كل شيء اصبح المال. إننا نعرف كم يبذل رجال البر في بلدنا من اموال وينفقون على مشاريع خيرية، ونعرف ان فيهم من نذر الكثير من ماله لاجل ذلك، ولكن بالعموم لو ان كل من اغناه الله ادى حق الله كما يجب وبذل الصدقات مع ما عليه من زكاة لما وجدنا فقيرا، ولكن اختلاف المعايير والفقر جعل الامور ملتبسة، فمن الاغنياء من لا يرى الستر في الملايين والعشرات والمئات منها، لانه ينظر الى من هو اكثر منه مالا ومن ثم اكثر منه جاها، واذا نقصت ارباحه يشعر بالحزن ويعتبرها أزمة واصابته الفاقة. إن الفقر من منظور ديننا الحنيف هو تنغيص للفقير وكدر لحياته، وقد دعا رسولنا الأكرم صلوات الله وسلامه عليه بالاستعاذة من الكفر والفقر، فاذا كان هذا حال الفقير من تكدير واهدار للكرامة، فما هي معايير السعة وهي ونعمة من الله ندعوه سبحانه ان يزيد الجميع من فضله، ان السعة لا تقاس بالترف والبذخ فهما اهدار وضياع لقيمة ومعنى خلافة الانسان في الارض، وقد قال احد العلماء: إذا كان الفقر اساءة للانسان واذلال في الدنيا، فان البطر والترف الزائد هو معصية لله، كما ذهب بعض العلماء الى ان البذخ في عرض الدنيا جريمة، وهؤلاء اخوان الشياطين، قال تعالى: "كلا ان الانسان ليطغى، أن رآه استغنى، ان الى ربك الرجعى" وهم حينئذ الفقراء في الآخرة. إن الغنى نعمة ورحمة من الله على عباده اجمعين إذا بذل الاغنياء حق الله تعالى تجاه الفقراء، وفي زماننا هذا زاد الفقر وكثر الفقراء، وكلما ازدادت الفجوة مع الاغنياء، اتسعت شريحة الفقراء والمعوزين. وهذا ينبه الغافلين الى ان ينفقوا عن سعة وطيب نفس، فينقذون فقراءهم من ذل العيش وضيق الحاجة وكدر الحياة الذي يؤدي الى تفسخ المجتمع. واصعب ما في هذا الخلل عندما نرى الاغنياء، وقد نسوا صلات ارحامهم من الفقراء، فاسقطوهم من ذاكرتهم وشطبوهم من حياتهم، وتمضي السنين والسنين دون ان يبروا بهم، والأكثر ايلاماً على النفس ان من الاغنياء لو سأل عنه قريب فقير، غالبا لن يستطيع الوصول اليه من كثرة الحواجب والحواجز، ولو حاول زيارته قد يظن به الظون بانه جاء طامعاً، فيقلب له وجهه حتى لا يرى وجهه ثانية او يحيله الى من يستطيع تصريفه (الا من رحم ربي) بينما لو طلبه البعيد من ذوي المال لاجاب، ولو تأخر عن السؤال فله العتب الرقيق، فان زاره فتحوا امامه الابواب والترحاب والمجاملات، فكيف يستقيم حال التكافل وكيف يقوى المجتمع اذا ما اصاب تراحمه العطب وضياع حق الله، وفي التراحم كل الخير للاغنياء والفقراء على السواء، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها انت خير من زكاها. حكمة: اللهم اني اعوذ بك من زوال نعمتك