في كل اسواق المال لا يوجد توافق بين الصغار والكبار في البيع والشراء، بل جرت العادة ان يتبع الكبير الصغير في احتواء مبيعات الأخير من الأسهم بأسعار منخفضة، وان يتبع الصغير الكبير في عمليات الشراء بأسعار مرتفعة ومبالغ بها... هكذا قدر للأسواق المالية أن تكون مُستَغَلة من الكبار. وأقسى فصول العنف هي التي يُستَدَرج بها المستثمر الصغير ليكون الضحية في حالتين من حالات السوق، في اوقات الصعود حينما تباع عليه الأسهم باسعار مبالغ بها، وفي اوقات الهبوط حينما يبيع أسهمه بأسعار بخسة. صحيح أن أمام المراكز الكبيرة اعتبارات مهمة حينما تريد ان تسجل ربحا، ولاتتفهم غير هذه الاعتبارات ومن اهمها ان ارباحها ستكون على حساب من هم مستوى أقل منها كصغار المستثمرين، وان كرة اللهب ستتدحرج لتقع في يد أحمق كبير، لكن من غير الصحيح أن يتبعهم الصغير للإيقاع به. وما شاهدته بالأمس هو أمر لا يخرج عن ما اسلفت ذكره، فقد رأيت كيف يرمي الصغار اسهمهم الجيدة الى المؤثرين في السوق و بأسعار متدنية وكيف تُقابل مثل تلك العروض بتلبية لشرائها وبهدوء ودون اندفاع من المشترين المؤثرين. السوق واضحة ومكشوفة وهي تدار باسلوب القطيع، وطغيان الاستثمار الفردي يدفعها إلى ان تكون كذلك وإلى أن تكون رهينة لأمزجة بعض المضاربين المؤثرين بحيث يَسءهُل عليهم التحكم بها كيفما اتفقوا وكيفما ارادوا. وللأسف فإن من ينجر خلف خططهم هم من ضعيفي الثقافة الاستثمارية وعديمي الوعي الذين يمهدون الطريق لإنجاح أساليب القطيع، فكلما رأوا السوق يزداد إحمراراً تملكهم الذعر وتوجهوا للبيع، وكلما ازدادت السوق ارتفاعاً توجهوا للشراء. الجهة المنظمة للسوق ينبغي أن توجد صانعاً للسوق، وأن تُسَوق بشكل أكبر للاستثمار المؤسسي وتُعَرِف المستثمرين الاستراتيجيين بحجمه كما ذكرت الاربعاء الماضي بعد ظهور نسبة الافراد المرتفعة، وعليها أن تُنظم في ظل هذا الغياب الكبير للاستثمار المؤسسي حملات اعلانية مدفوعة الثمن في وسائل الإعلام لتوعية الكم الكبير من الافراد ممن يفتقدون للوعي وتلقيحهم بجرعات كبيرة منه، فلم تفلح الورش التي تم تنظيمها ولا مواقع توعية المستثمر لديها في رفع درجة الوعي لدى من يفتقدونه، وعليها أيضاً أن تُفَعِل نظام مراقبة السوق بشكل أكبر مما هو قائم منعاً لأي تلاعبات وتجاوزات قد تحدث بالسوق المالية.