من الشائع عند الجميع أن الضغوط سواء في العمل أو المنزل أو غيرها قد تسبب أمراض القلب. ولكننا تعودنا في هذا الصفحة في جريدة "الرياض" أن نبحث عن المعلومة الموثقة علمياً وتقديمها للقارئ. وسابقاً لم يثبت بدليل قطعي أن التوتر أثناء العمل يزيد أمراض القلب كما لم يدرك العلماء آلية هذه العلاقة. ولكن نشر حديثاً ( 23يناير) بحث طبي رائع في مجلة القلب الأوروبية أهم مجلة للقلب في أوروبا لفريق بحثي برئاسة أ. د. مايكل مارموت من جامعة لندن كوليج. وفي هذه الدراسة تابع الباحثون 10.308موظفين في لندن منذ عام 1985.وهدفت الدراسة إلى إثبات وجود علاقة بين التوتر وضغوط العمل وأمراض شرايين القلب والآلية التي تسببها. وحدد الباحثون أسئلة محددة للإجابة عليها: 1- هل تزيد ضغوط العمل من أمراض القلب؟ 2- هل لهذه المشكلة علاقة بعمر الموظف؟ وهل ضغوط العمل تؤثر على القلب مباشرة على جهاز الغدد الصماء العصبي أو عن طريق تغير سلوكيات الموظف نتيجة للضغط أو كلا السببين؟ وخلال 12سنة من المتابعة وجد الباحثون أنه عند الموظفين (رجالاً ونساءً) الذين تقل أعمارهم عن 50سنة كان خطر الإصابة بتصلب الشرايين أعلى بنسبة 68% عند الموظفين الذين أقروا بوجود توتر وضغوط في العمل. ولم يكن هذا التأثير واضحاً عند كبار السن من الموظفين القريبين من سن التقاعد. واعتبر الباحثون أن أهم نتيجة لهذا البحث هو الكشف عن الآلية التي تسبب هذه العلاقة. فقد وجدوا أن جهاز الغدد الصماء العصبي يتأثر بالتوتر في العمل فقد تأثر الجهاز العصبي المستقل وهو جزء مهم من جهاز الغدد الصماء العصبي ينظم الأعمال الإرادية كعمل القلب وتنظيم دقات القلب وتنظيم إفراز هرمونات التوتر مثل الكورتيزول. وتوصل الباحثون إلى أن الموظفين الذين تعرضوا للتوتر تأثر القلب لديهم من ناحية تأثر دقات القلب والعصب الحائر كما تأثر المحور الوطائي النخامي في المخ وهو جزء مهم من الجهاز العصبي. وكان مستوى هرمون الكورتيزول أعلى في الصباح عند الموظفين الذين لديهم ضغوط أكبر في العمل، ومن المعلوم أن ما سبق من علامات التوتر العضوية يزيد من احتمال الإصابة بأمراض القلب. وكل ماسبق لم يكن له أي علاقة بسلوكيات الموظف مثل عدم مزاولة الرياضة أو الإفراط في شرب الكحوليات مما يثبت علاقة مباشرة بين ضغوط العمل وامراض القلب. إضافة لما سبق وجد الباحثون أن ضغوط العمل تزيد احتمال الإصابة بأمراض القلب بطريقة غير مباشرة عن طريق السلوكيات السيئة حيث كانت السلوكيات السيئة كأكل الوجبات غير الصحية والتقليل من أكل الفواكه والخضار وعدم ممارسة الرياضة أكثر عند الذين تعرضوا للتوتر. ما سبق يثبت بدليل قاطع أن التوتر وضغوط العمل تزيد من احتمال الإصابة بأمراض القلب وتصلب الشرايين وخاصة عند الموظفين الأقل من 50عاماً أي الشباب الذين يتوقع منهم الإنتاج لسنوات قادمة. هذه الدراسة تظهر أهمية دراسة بيئة العمل في مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة ووجود جهات مختصة تتابع مثل هذه الأمور للتأكد من سلامة جو العمل وبعد الموظف عن التوتر المضر بالصحة. أسال الله لكم راحة البال.