اتجهت منظمة المؤتمر الإسلامي لبحث أوضاع المرأة المسلمة وتدارسها؛ لأن المرأة تشكل أكثر من نصف تعداد الأمة الإسلامية، تلك الأمة التي لن تشق طريقها نحو التقدم ما لم تضع قضايا المرأة وتطويرها في قمة اهتماماتها ؟ كان مؤتمر مشاركة المرأة في صناعة القرار الذي عقد في ماليزيا برعاية وزيرة شؤون المرأة والأسرة والتنمية المجتمعية السيدة شهرزاد عبد الجليل، تلك السيدة التي عرفت بشجاعتها النادرة وجهودها المتميزة التي حققت للمرأة الماليزية كثيرا من المكاسب التي تستحقها، ومما قالته في كلمتها "إن الإسلام كدين سماوي عظيم يعزز مبادىء السلم والتسامح والتعاون بين البشر، ويشدد على صون الكرامة الإنسانية وتعزيز حقوق الإنسان والقيم الأسرية، ويؤكد على ضرورة المساواة بين الجميع بصرف النظر عن الجنس أو الأصل الجغرافي أو اللون أو الطبقة أو المعتقد. أما المرأة فيوليها دورا محوريا في المجتمع وفي الأسرة التي تشكل النواة الأساسية له، ويعمل على تأكيد حقوقها، ويفسح المجال واسعا أمامها لمزاولة نشاطها خارج البيت في الحياة العامة. بل إن القرآن الكريم نصّ بشكل صريح وحاسم على حقوقها الدينية والمدنية ومساواتها بالرجل أمام الله، كما أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنصف المرأة وسعى جاهدا لتمكينها من ولوج جميع مجالات الحياة. ومما يبعث على الأسى شيوع صور نمطية لدونية المرأة في المجتمع الإسلامي، لهذا فإن على الحكومات الإسلامية المسارعة إلى تغيير هذه الصور النمطية العالقة بالمرأة وذلك لرأب فجوة صدام الجهل الذي أفضى إلى تنامي تلك الصور وما يتصل بها من أعمال تنم عن التعصب والتمييز، وينبغي على المنظمات الحكومية والأهلية والمجتمع المدني ووسائل الإعلام، أن تقوم بدورها لتصحيح تلك الصور، لأن الرأي العام العالمي غالبا لا يعلم شيئا عن المبادىء الإسلامية والأخلاقية المتعلقة بالمرأة". لقد أكدت الوزيرة وكل المشاركين على نقاء المفاهيم الإسلامية النابعة من النصوص المقدسة قرآنا وسنة المتعلقة بالمرأة، فالإسلام الذي نعرفه من خلال تلك النصوص كان حاضرا بقوة في كثير من أوراق العمل والمداخلات والتعقيبات، وكان السؤال الذي تبادر إلى ذهني حينها وجعلته محورا لمداخلتي هو: مادمنا جميعا مقرين ببراءة النص المقدس من الممارسات الظالمة والمجحفة بحق المرأة، فأين مكمن الخلل ؟ ولقد قاد هذا السؤال إلى حقيقة مرة تتمثل في البؤس الثقافي الذي تعيشه معظم المجتمعات العربية والإسلامية فيما يتعلق بالمرأة، ففي الوقت الذي عظم الإسلام حق المرأة، وأشاد النص القرآني خصوصا بعقلها وحكمتها ووعيها، نجد الثقافة البائسة تتجاهل ذلك كله وتتجه إلى تكريس المفاهيم الحافة بدونيتها وقلة عقلها وعجزها إزاء الرجل الذي تضفي عليه هالات الحكمة والفهم والوعي ورجاحة العقل وكل مقومات سيادته على المرأة، أما القرآن الكريم فأشاد على سبيل المثال بمريم ابنة عمران وأخبر أنّ الله اصطفاها على نساء العالمين، وكذلك ذكر امرأة فرعون التي عصته انقيادا لله وطلبها منه أن يبني لها بيتا في الجنة وأن ينجيها من فرعون وعمله، وكذا ذكر بلقيس ملكة سبأ دون أن يتعرض لها بسوء، وما كان القرآن ليذكرها لولا اتصافها برجاحة العقل وسعة الحكمة وغزارة الفهم عندما استشارت قومها بشأن نبي الله سليمان وخالفتهم لمّا علمت أن مصلحة بلادها تقتضي ذلك، وأيضا عندما اعترفت بأنها كانت ظالمة لنفسها بعبادتها غير الله ومسارعتها إلى الإيمان به، كما أبان القرآن قدرة المرأة على الإدلاء بالرأي الصائب عندما ذكر قصة ابنة شعيب مع موسى عليه السلام عندما قالت لأبيها استأجره (إنّ خير من استأجرت القوي الأمين) أي إن أفضل من تستأجره من كان قويا أمينا فوضعت لاختيارها معيارين هما القوة والأمانة، وقد صدق حدسها فهي ما رأت إلا نبيا من أولي العزم المؤتمنين على الوحي الأشداء الأقوياء. قال أبو حيان: "وقولها كلام حكيم جامع لأنه إذا اجتمعت الكفاية والأمانة في القائم بأمر من الأمور فقد تمّ المقصود". "إن ما حققته ماليزيا من قفزات هائلة في مجال التعليم والتطور التقني أهلها لان تصبح بحق نمرا من النمور الآسيوية، وقد انعكس ذلك على المرأة بفضل العزيمة التي قاد بها مهاتير محمد بلاده على طريق التقدم، بالرغم من حملات التشهير التي تعرض لها من القوى الأصولية المتشددة التي ما فتئت تتهمه بالكفر. عمل مهاتير محمد منذ البداية بجدية على تحرير المرأة - نصف المجتمع شبه المشلول في المجتمعات الإسلامية التقليدية- بإجراء تعديلات متتالية على قانون المرأة وإنشاء لجنة برلمانية خاصة بهذا الموضوع، بالتوازي مع إنشاء وزارة المرأة والعائلة وجمعيات أهلية لدعم حقوقها. وقد انعكس الاهتمام بتحرير المرأة على قطاع التعليم، حيث يفوق عدد الإناث الذكور في الجامعات بحوالي 28% وهي جامعات في مستوى عال إذ تحصل المرأة الماليزية على تعليم ومعرفة تفوق بكثير المتوسط العالمي ،.وساعد هذا النجاح المرأة الماليزية على لعب دور فعال ورائد في تشكيل اليد العاملة، إذ تبلغ مشاركتها 62% من إجمالي الذكور وتغطي هذه المشاركة كافة الأنشطة، ويشير تقرير التنمية البشرية إلى نسبة نساء تصل إلى 23% ضمن شريحة المشرعين ومديري المؤسسات، وإلى استحواذ المرأة الماليزية على 40% من مجمل مناصب التقنيين والمهنيين". أما على صعيد مشاركة المرأة في صناعة القرار فقد قامت الحكومة بكثير من الإجراءات لتنمية المرأة وتشجيع مشاركتها في ذلك، إذ تغير وضع المرأة الماليزية تغيرا ملحوظا خلال العقود الخمسة الماضية بسبب انتشار التعليم وزيادة فرص العمل ومجمل التغيرات الاجتماعية والثقافية؛ ذلك أن الحكومة قد أدركت باكرا أن الفقر مصدر لعدة مشكلات يأتي التشدد الأصولي والإرهاب في مقدمتها، كما أن الفقر أبرز عناوين تخلف المرأة وجهلها، لهذا وضعت استراتيجية واقعية وآليات منهجية لمواجهة الفقر وتمكين المجتمع من رفع التحديات والسير بحزم على طريق الازدهار المؤدي إلى تقدم المرأة ومشاركتها المتزايدة في صناعة القرار، وظل التعليم الموجه الرئيس لاستقلالية المرأة وتنميتها ،حتى تفوقت النساء على الرجال عددا في المؤسسات التعليمية العليا بما نسبته 61.2%، إن وجود أعداد كبيرة من النساء المتعلمات تعليما عاليا وذوات وعي حضاري وإنساني، يعني وجود مجتمع أكثر إنتاجية اقتصادية ودينامية فكرية. ولإيجاد الحلول لمشكلة التمثيل الناقص للمرأة على مستوى صناعة القرار نهجت الحكومة في 14أغسطس 2004سياسة ترمي على ضمان مشاركة المرأة بنسبة 30% على الأقل على مختلف مستويات صناعة القرار. وقد اتفق على هذه النسبة على الصعيد الدولي في مؤتمر بكين، علماً أن ذلك يشكل أدنى نسبة ضرورية لكي تكون مشاركة المرأة ذات مفعول ملموس. ومنذ إقرار هذه السياسة استطاع كثير من السيدات الحصول على مناصب مهمة في الدولة، علماً أن عدد النساء اللواتي يشغلن مناصب المسؤولية في القطاع العام انتقل من 18.8% سنة 2004إلى 26% في 2007.وهذا يبرهن على رغبة الدولة في تشجيع مشاركة المرأة في صناعة القرار. وتحقيق تقدم مهم في إنجاز هذا الهدف السياسي. ومن أجل تحقيق تقدم ملموس في إنجاز هذا الهدف السياسي، ليس في القطاع العام فحسب بل أيضاً في القطاع الخاص. فقد تم التركيز على الميدان القضائي والسياسي وكذا القطاع الخاص بتحديد عدة قطاعات كبرى تشمل السلطات الثلاث وكافة المجالات الاقتصادية وذلك لتسيير الإصلاحات اللازمة على هذا النحو : 1- السلطة التشريعية: البرلمان والأحزاب السياسية 2- السلطة التشريعية: الهيئات التشريعية للدولة، المجالس التنفيذية والمجالس المحلية 3- السلطة التنفيذية: الهيئات النظامية والجامعات 4- السلطة القضائية: المحاكم المدنية والشرعية 5- القطاع الخاص. تعتبر المرأة الماليزية جزءاً من سياقها الاجتماعي والاقتصادي، وبنظرة للطبيعة الزراعية، فقد كانت المرأة دائما مشاركة في النشاط الاقتصادي، والنهضة الاقتصادية التي تشهدها ماليزيا تتم بوجود المرأة في مجالات العمل والإنتاج، فهي تمثل 64% من قوة العمل الصناعي، وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي أحرزته المرأة الماليزية، إلا أنه توجد كثير من الإشكالات العالقة التي تتمثل في العدد الضئيل نسبياً للنساء اللواتي يتولين مراكز القرار سواء في المجالات السياسية أو في القطاع الخاص، كما أن المرأة تواجه مشكلات وأعرافا تقيد حركتها وتحرمها حقوقها الشرعية الإسلامية، وهناك وعي متزايد بأهمية التغيير نحو مزيد من العدل والقسط إزاء قضاياها. أما في معظم بلدان منظمة المؤتمر الإسلامي فتبقى المرأة بعيدة عن إمكانية الوصول إلى قمة الهرم بخصوص صناعة القرار بما ذلك السلطة التنفيذية والبرلمان. وباعتبارنا دولا إسلامية لا يمكننا أن نأمل في النجاح في ظل الظرفية الراهنة والمنافسة الدولية الشرسة إلا إذا كنا قادرين على القيام بالتعديلات اللازمة لرفع التحديات العالمية الجديدة، دون التضحية بقيمنا ومعتقداتنا الدينية، لا سيما أن الأمة الإسلامية تمر اليوم بمرحلة حاسمة من مراحل تاريخها، فيتعين عليها أن تجترح آليات لمواجهة تحديات العصر، ولهذا اتجهت منظمة المؤتمر الإسلامي لبحث أوضاع المرأة المسلمة وتدارسها؛ لأن المرأة تشكل أكثر من نصف تعداد الأمة الإسلامية، تلك الأمة التي لن تشق طريقها نحو التقدم ما لم تضع قضايا المرأة وتطويرها في قمة اهتماماتها. ومن هنا ينبغي على كل بلد إسلامي تجديد قوانينه من أجل النهوض بالمرأة اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا، طبقا للقيم الإسلامية والعدالة والمساواة، وحمايتها من كل أشكال العنف والتمييز، وإشراكها بشكل مباشر في سائر مجالات التنمية، بحيث ألا تكون المرأة حاضرة هنا وغائبة هناك، فتجاهل دورها وتغييبها وفرص السكوت عليها اختيار غير صحيح، لذا ينبغي عليها أن تعمل على إسماع صوتها ليكون له صدى في المجتمع كله، وأن تعلم أن حبسها في كهوف الجهل ومنعها من اقتحام الحياة العامة يتنافى كلية مع جوهر الإسلام. هناك من يدعو المرأة المسلمة التي تقع ضحية للاضطهاد إلى القبول به والصبر عليه كقدر محتوم، باعتبارها امرأة مسلمة يجب عليها الانقياد لإرادة الله انتظاراً للتمتع بالجنة في الآخرة ! يجب تغيير هذه المفاهيم الجاهلية وتحرير المرأة من سطوتها، فالحرية قرينة المسؤولية في الإسلام، ولا أرى نهضة للمرأة المسلمة دون إعادة تشكيل لعقل الرجل لتنقيته من شوائب الجاهلية. فلن تنهض المرأة بدون معاونة الرجل، ولن تنهض الأمة بدون مشاركة الاثنين معا.