تتحدث عن التواصل! عن خيوط انقطعت وأخرى حاولت ربطها، وأخرى تنسج حولك مثل عش عنكبوتي يكاد يخنقك! وتتحدث عن زمن لم يعد يعرف الجار اسم جاره، والشخص عن أحوال أقربائه! وتتحدث عن قسوة القلوب وعن انشغال الناس! وبين هذا وذاك تجد لنفسك عذراً حين يعتب عليك أخوك لأنه لم يرك منذ أسبوعين، فالمشاغل كثيرة وأنت لا تجد الوقت لنفسك فما بالك بالآخرين! لكنك لاتفتأ تتذمر من زمن تغير فيه الناس واختفى فيه التواصل وتنسى أنك تعيش هذا الزمان وأنك جزء من هذه الجماعة البشرية التي تتذمر منها. وأنت لا بد أن تتواصل مع الآخرين، قد تتواصل من الغريب بداع اللطافة أو المصلحة العملية أو الرقي الاجتماعي أكثر من تواصلك مع القريب لاعتقادك بأن هذا القريب سيظل قريبا ولن يتغير ولن يبتعد ولن يختفي ولن يدير ظهره متذمرا، لكن اعتقادك هذا خاطئ لأنه مبني على أولويات غير سليمة. وتعرف في لحظة ما أن عليك أن تعيد حساباتك وأن تفكر في الأهم ثم المهم وتفكر في الأقرب ثم القريب ثم هذا البعيد الذي تضطر لمجاملته. والتواصل مع الآخرين ليس بالأمر الصعب، لكنه أحيانا يصبح سمجا حين يتحول إلى واجب ثقيل الدم، عندها تشعر بالاختناق وتحاول أن تبحث عن نسمة هواء تنعشك! مفهوم التواصل هو مفهوم واسع وله أدواته، فاللغة أداة تواصل لذلك أنت تتحدث، تفضفض تشتكي تتذمر تكتب تغني، أنت تتحدث مع الآخرين تبحث عن أذنٍ تسمعك حين تريد أن تعبر عن نفسك وتبحث عن ردة فعل من هذا الذي يسمع. التشارك في الاهتمامات وسيلة للتواصل، فأنت مثلاً تحب القراءة لذلك قد تبحث عن صديق يشاركك هذه الاهتمام لتتناقش معه وتتحدث عن تفاصيل آخر كتاب قرأته وآخر رواية اكتسحت السوق. الإحساس بمن حولك هو نوع من التواصل، فحين تعرف ما يخبئه وجه صديق أو قريب من فرحة أو ألم قبل أن يشاركك الابتسامة أو يخنق دمعة تأبى إلا أن تفاجئه فأنت حتما تملك هذا الإحساس الذي يجعلك تبقى على الاتصال بهولاء الذين يحيطون بك. في النهاية أنت وحدك تملك مفاتيح التواصل مع الآخرين وأدوات هذا التواصل.