يومك يبدأ بالتذمر فأنت مجبر على الاستيقاظ مبكرا كما أنك تكره الازدحام الصباحي وإشارات المرور التي تعاندك والسيارات التي تضيق عليك الطرق، يضايقك الغبار الذي يخنق والشمس التي تلسعك، ووجه مديرك الذي يستقبلك بأسئلة مزعجة وأنت لم تشرب بعد كوب الشاي أو تتلذذ بفنجان قهوة، مشغول أنت بالذي ترقى والذي ابتعث انتدابا وذاك الذي ينتمي لرابطة تشجيع نادي المدير والثالث الذي يتفلسف كثيرا والرابع الذي يزعجك بتحليلاته الغريبة لكل موقف وكل عبارة وكل حركة والرابع الذي يصنف كل شيء يحدث له على أنه مصيبة، بدءا من الطابور الطويل أمام شباك طلبات مطعم الوجبات السريعة ومرورا ببقعة العصير التي انسكبت على ثوبه ونهاية بانقطاع شبكة "الواي فاي" عن جواله! تستمر في تذمرك عن الحياة ومشاغلها وأيامها التي تمضي مسرعة وروتينها الذي يزعجك وعن زمن مضى كان أجمل لا تعرف لماذا كان أجمل؟ ألأنك كنت صغيرا وغير مبال وخال من المسؤولية. تتحدث عن "الملل" رغم زخم القنوات الفضائية التي تتخم تلفزيونك، تشتكي من "الرتابة" رغم كل الأشياء المتنوعة التي تحيط بك، تتحدث عن طعم الحياة الذي فقدته رغم أن كل ما حولك مليء بالحياة فأنت منشغل بتذمرك عن الاستمتاع بأطفالك وضحكاتهم وأسئلتهم البريئة وتصرفاتهم النقية، وتشتكي من الدنيا التي شغلت الأصحاب والأقارب لكنك في نفس الوقت حين تلتقي بهم تكون ملتصقا بشاشة جوالك متابعا آخر نكت البلاك بيري وأخبار تويتر، تكاد لا تلتفت لوجوههم ولا لابتساماتهم ولا تستمع لأحاديثهم. تشعر بأنك غير راض، ولا تتذكر أنك تصحو كل صباح مستمتعا بصحتك وعملك وراحة بالك واستقرارك، تقول بأنك لست بسعيد لكنك لا تكلف نفسك للبحث عن مفاتيح سعادتك في كل شيء جميل يحيط بك من عائلة متماسكة من استقرار صحي من قدرات مادية وتعليمية. جاحد أنت أم مسكين لا يعرف قيمة كل ما يملكه ولن يعرفها حتى يفقدها. أنت وحدك تملك الإجابة.