وهما الصديقان يوسف الكويليت ومحمد علوان. رأيتهما لأول مرة يدخلان مكتبة صغيرة في شارع الستين في الرياض. كان اسمها دار العلوم. رأيتهما بملابس بيضاء. بيضاء. كنت يومها في كلية التربية، ومنذ ذلك اليوم وأنا أحلم بملابس في بياضهما. مرّ وقت طويل قبل أن أقترب منهما، قبل أن أنتمي لهما ولمجموعة بيضاء في كل مكان في بلادنا. غادرت إلى باريس. ولم يكن لي في الرياض من أهل أو منزل سوى محمد علوان. في كل عودة إلى المملكة كنت ابتدئ بالرياض. أعني بمحمد وآله. كانت تنتظرني غرفة فاخرة في بيته. ولقاءات عامرة بالأصدقاء. أهداني أبوغسان مفاتيح أصدقائه. عرفت من خلاله الرياض الوطن - ورأيت كل الثياب البيضاء على حقيقتها. لم يكن بيننا إلا هذه البلاد. نقرأها ونكتبها. وفي كل لقاء كنت أستعيد من الوطن ما تنتزعه باريس أو تحاول انتزاعه. وكنت أحب حائل وما زلت. وعرفت أن يوسف الكويليت من تلك البلاد التي وصفها أحد الجغرافيين بأنها تمتد مثل يد المصافح. عرفته زميلاً في "الرياض" وأهلاً في حائل والرياض. عرفته أستاذاً ومعلماً. وكاتباً لافتتاحية الرياض منذ أمد طويل. وكنت في باريس أسمع أصداء افتتاحية "الرياض" في وسائل الإعلام الغربية قبل أن أقرأها. ثم عرفت فيما بعد أن الكثير من سفارات العالم في الرياض تبدأ صباحها بترجمة يوسف الكويليت إلى لغاتها العديدة. وكان كثير من المسؤولين الفرنسيين يأخذون افتتاحية "الرياض" على أنها تعبير عن سياسة المملكة. ومنذ أن عرفت الكويليت. أي منذ عشرات السنين وهو يرفع صوته عالياً ليخبرنا أن الصين قادمة. وأنها ستدخل كل بيت في العالم. وكنا لا نصدق برغم كل الرؤى العميقة التي كان يستند إليها. وقبل سنة تقريباً، رأينا اسم هذا السيد يتصدر الصفحة الأولى في افتتاحية من أهم وأثرى الافتتاحيات الصحفية في العالم. أقولها باعتزاز. وأعرف ماذا تعني هذه الافتتاحية في عواصم القرار العالمي. رأيت أبا عبدالله أكثر من مرة يُعد لافتتاحيته. في مكتب صغير. نلتقي فيه دائماً بالكثير من الزملاء في الجريدة. تلك الافتتاحية تستند إلى معرفة عميقة بالعالم، معرفة بدأت في حائل، في الرياض وما بينهما. وكلما رأيت معجزة صينية تذكرت هذا الحائلي. وتذكرت تلك اللحظة التي رأيته فيها بصحبة علوان وهما يبحثان عن المعرفة. لهذين الأبيضين وطن في داخلي لا يُحد. لأنهما وطن لا يُحدّ.