حوار: فهد الغريري في الوقت الذي يحذِّر فيه أساطين الصحافة الغربية من اندثار الصحافة الورقية التقليدية مقابل الإلكترونية أو ما يسمى الإعلام الجديد تتبادل أصوات صحفية محلية الاتهامات فيما يخص مستوى الصحفيين السعوديين مهنيا؛ حيث يقول الممارسون المنتسبون للصحف السعودية إنَّ أقسام الإعلام في جامعاتنا لا يتخرج منها صحفيون مدربون بشكل جيد، وإن كثيرا منهم تنقصهم المهنية والاحترافية. مشيرين إلى ندرة الصحفيين الجيدين من الخريجين الجدد. بالمقابل يقول المتخصصون في الصحافة نظريا من الأكاديميين إنهم يقدمون كل ما لديهم في مجالهم المتعلق بالجانب النظري، وإن التدريب هو مهمة المؤسسات الصحفية وليس مهمتهم. ومع انتشار مصطلح «الإعلام الجديد» عبر الكتب والندوات وكراسي البحث، وفتح المجال في الجامعات السعودية لدراسة «الصحافة الإلكترونية»، نجد أنفسنا أمام سؤال يفرض نفسه: ما هو المستوى المتوقع للصحفيين «الجدد» - إذا جاز التعبير - إن كان أقرانهم خريجو أقسام الصحافة التقليدية موضع تساؤل وشك في قدراتهم حتى الآن؟ وهل يسري على صحفنا ما يسري على صحف العالم الحديث في مسألة وقوعها تحت تهديد محتمل من قبل الصحافة الإلكترونية؟ للإجابة عن هذه الأسئلة وتسليط الضوء على هذا الموضوع بشكل عام استضافت «الجزيرة» كلا من: الدكتور فهد الخريجي رئيس قسم الإعلام بجامعة الملك سعود، والدكتور عمار بكار المدير العام للإعلام الجديد في مجموعة MBC.. فإلى التفاصيل: *** كثرة من كوادر وقيادات الصحف المحلية اليوم هم نتاج أقسام الإعلام تنبأ مردوخ بنهاية عهد الصحافة الورقية - مقابل سطوة الإلكترونية - خلال سنوات، ما توقعاتك فيما يخص العمر المتبقي للصحافة العربية الورقية؟ كم سنة؟ وعلام بُنيت هذه التوقعات؟ - يجب أخذ توقعات روبرت مردوخ, صاحب الإمبراطورية الإعلامية, في الحسبان، وخصوصاً أن جميع الصحف تقريباً تتجه نحو التقنية الرقمية. لكن توقعات السيد مردوخ تبقى تنبؤات وليست نبوءات؛ حيث إن القراء بحاجة إلى سنوات طويلة قبل التخلي كليا عن النسخ المطبوعة. وسبب هذه التوقعات عائد إلى أن الصحف الأمريكية والغربية قائمة على قاعدة العرض والطلب ومعطيات السوق. الصحف اليوم تعاني أزمة حادة بسبب تراجع التوزيع وعائداتها من الإعلانات، وتفكر العديد من الصحف العالمية اليوم في أن تفرض رسوما مقابل الوصول إلى مواقعها على الإنترنت! وخصوصاً أنها ستنقل كامل مضمون الصحيفة وتحدثها كل ساعة أو ساعتين. كما أن أجهزة الحاسب الخفيفة والسريعة والبلاك بيري والبالم وغيرها من تقنيات الجوال والإنترنت والوسائط تفرض توجهاً إجبارياً على مسار الاتصال الإنساني, ويجب علينا الاعتراف به ومواكبته في حدود التسارع الثقافي والثوابت الأخلاقية لضبط التوازن والأمن الاجتماعي والحضاري. كما أن مجانية الصحف على الإنترنت لن تنتهي؛ فالصحف التي سارعت للوصول إلى متلقي الإنترنت للحصول على جمهور اكبر ولفت الانتباه يصعب عليها التراجع؛ لأن كل نقرة على الحاسب لها معنى اقتصادي لدى المعلنين. وسوف يتطور هذا المفهوم في السنوات القادمة لا محالة. ملاحظة مهمة: الصحافة السعودية خالفت قواعد السوق؛ ففي الوقت الذي انحسرت فيه عائدات الإعلان في السوق العالمية لاحظنا تضخماً في إعلانات ودخل بعض الصحف السعودية. لعل السبب يعود للنشاط الاقتصادي وكثرة مشاريع البنية التحتية, والسيولة التي مكنت العديد من المشاريع في الاستمرار في الضخ لسوق الإعلان. الانكماش الاقتصادي العالمي هو عالمي بمعنى الكلمة، لكنَّ لكل قاعدة نشازاً. ما رأيك في مستوى المهنية الموجودة في الصحافة الإلكترونية؟ وما أبرز الإيجابيات والسلبيات المهنية فيها؟ - المهنية في الصحافة الإلكترونية إشكالية العصر الحديث. باستثناء الصحف الكبرى فإن هناك لغطا وخلطا وهرجا ومرجا في الجانب المهني؛ فالكتابة في الأوعية الإلكترونية مثل الإنترنت متاحة لكل فرد على وجه الأرض بلا قيود ولا ضوابط حرفية ولا أخلاقية؛ ما جعل الحرية المتاحة انفلات وغثا في كثير من الأحيان. كما أن المصداقية أصبحت محل تساؤل عند الإشارة إلى الشبكة كمصدر. هذا أزعج العديد من ممارسي العمل الصحفي وفق قواعد الكتابة المعروفة. هذا التصور والممارسات المتوقعة دعيا بعض العقلاء والمثقفين كهيئة الصحفيين السعوديين وغيرها إلى الدعوة لفرض ضوابط قانونية ومهنية تنظم عمل الإعلام الإلكتروني وتخضعه لسلطة رقابية وقضائية تمنع انحرافه واستغلاله. والحقيقة أن التقنيات المعاصرة أسهمت في توفير فضاء يستوعب خطابا منفلتا من القيود القانونية والأخلاقية، وقد ذكرت في مناسبات عديدة أن هذه التقنيات تعتبر وسيلة عداوة وصداقة في آن واحد. كما أن تحول وسائل الإعلام البديلة، كالإنترنت، إلى مسارب لإثارة الأحقاد والكراهية يأتي كظاهرة طبيعية، تزداد شراستها كلما زادت مقاومتها. وفي العرف الإعلامي والقانوني لغة الخطاب مسؤولية القائم بها، وتقع الإشكالية في الحديث عن لغة الخطاب في العمل الإعلامي بسبب عدم وجود محددات لمفهوم هذه اللغة، ومن يتكلم مع من، وعن ماذا، وخلفيات كل من أصحاب الخطاب الأيديولوجية. كما أنه عند تنوُّع لغة الخطاب يجب أن ندرك أن مساحة الحرية والحرفية يجب أن تتسع وفق قواعد الأدب الإنساني العام بعيدا عن السعي لتحقيق مكاسب من خلال الشتم والتحقير وغيرهما من الوسائل غير المشروعة. إن كانت المؤسسات الصحفية العريقة تشتكي من ندرة الصحفيين المهنيين فكيف يراهن المبشرون - إن جازت التسمية - بالإعلام الجديد على الصحافة الإلكترونية وهي ضعيفة الإمكانيات، وخاصة المادية؟ - أنا من المبشرين بالإعلام الجديد منذ أكثر من خمس عشرة سنة, وأعتقد أنه يتيح لنا فرصة تاريخية للتواصل مع شعوب الأرض (سواء بيت وبر أو بيت حضر), أما ندرة الصحفيين المهنيين فهي بلاء لا يخص مجالات الصحافة فقط؛ فهناك تخصصات أخرى تعاني هذه الندرة، خصوصاً في مجالات الطب والتخصصات ذات الصلة بحياة الكائن البشري؛ لذا علينا أن نراهن على تطور الطب والصناعات الدقيقة حتى في ظل الندرة المهنية. كما أن هذه الندرة قد تكون حالة إيجابية لتطوير أدواتنا الإعلامية لفتح باب المنافسة وكسر صورة الاحتكار الكريهة التي مارستها وسائل الإعلام الكبرى لتتيح الفرصة لصغار الإعلاميين في اقتحام بوابة جديدة وفرض صور وأنماط، كان حارس البوابة يقف عائقاً أمامهم, بهذا تصبح المهنية لمن يقف على أقدامه في هذه المعركة الطاحنة بين وسائل الإعلام المدللة التقليدية وأناس لا يبحثون عن أكثر من البقاء ولا يعني لهم الربح والخسارة إلا الوقت الذي ينفقونه بلذة لمواجهة أساطين الإعلام الذين ينظرون بقلق كل يوم لقيمة أسهم مؤسساتهم وينتظرون يوم إفلاسهم. خلاصة قولي: إنَّ خاصية ضعف مواردهم هي عنصر قوتهم وسر نجاحهم. يلقي صحفيون مسؤولون اللوم على أقسام الإعلام السعودية فيما يتعلق بتدني المهنية والاحترافية لدى خريجي هذه الأقسام؛ حيث أشار مديرو تحرير لدى مؤسسات صحفية معروفة إلى أنه يأتيهم من خريجي الصحافة من لا يعرف كيف يكتب خبرا! ما تعليقك؟! - بنظرة فاحصة سوف يتبين لنا أن كثرة من كوادر وقيادات الصحف المحلية اليوم هم نتاج أقسام الإعلام بالمملكة؛ فأقسام الإعلام قدمت لهم الجوانب النظرية وقليل من الممارسة المهنية التي ساهمت صحافة المؤسسات وكتّاب الصحف العريقون في صقل مواهبهم في ميدان العمل. ومن ناحية أخرى أقسام الإعلام كانت مقصرة لسنوات في تطوير مناهجها التعليمية, وبُعدها عن التواصل المبكر مع المؤسسات الإعلامية القديرة. وقد بادر قسم الإعلام بجامعة الملك سعود منذ أشهر, ولأول مرة في تاريخه، بتوجيه من معالي مدير الجامعة، باستقطاب الممارسين للمشاركة في العملية التعليمة, وقد ظهرت بوادر نجاح التجربة من خلال ظاهرة صقل الطلاب بالمتطلبات الميدانية بالتزامن مع العطاء النظري. إنها تجربة متعبة للطلاب, لكنهم لم يقاوموها لشعورهم بالفائدة المرجوة من هذه التجربة. كما أن القسم قد أعاد هيكلة برامجه التعليمية في مرحلة البكالوريوس والدراسات العليا لتتوافق مع متطلبات الإعلام السعودي الذي بدأ مرحلة جديدة ولغة خطاب عالمية, تتناسب ومسؤولية المملكة عالمياً وإسلامياً وإقليمياً. ألا ترى أن اقتصار أقسامكم على الدراسة النظرية دون الاحتكاك بالمطبخ الصحفي الحقيقي منذ البداية، والاعتماد على أعضاء هيئة تدريس من الأكاديميين غير الممارسين فقط، له دور في افتقار الخريجين إلى الخبرة الصحفية الكافية لدخولهم في ميدان العمل مباشرة؟ - جامعة الملك سعود تجاوزت المرحلة النظرية، ولديها طلاب ممارسون للعمل الإعلامي منذ دخولهم بوابة الجامعة في التخصصات المقررة في المنهج. بل يوجد عدد لا بأس به من الصحفيين السعوديين وبعض الأشقاء العرب وإفريقيا وروسيا طلاباً في قسم الإعلام, وجدوا ضالتهم في تطوير مهاراتهم النظرية والتطبيقية في قسم الإعلام. كما أنهم سوف يساهمون في نقل خبراتهم لبقية الطلاب خلال سنوات الدراسة. كما أن اهتمام الجامعة بالمختبرات التطبيقية في الصحافة والإعلام المرئي والشبكي يعطي خريجي القسم مهارات جديدة. كما أن استقطاب الممارسين للمشاركة في العملية التعليمة أظهر بوادر نجاح التجربة وهي في مراحلها الأولى. أخيراً الجامعة تسعى إلى أن يكون قسم الإعلام واجهة تعليمية عالمية ومنارة ثقافية دولية خلال السنوات القادمة. وهناك جهود مضنية تقوم بها الجامعة لتحقيق هذا الهدف. والمؤشرات تؤكد أننا نسير في الطريق الصحيح. هل يبحث طلاب أقسام الإعلام عند اختيارهم القسم عن تنمية مواهبهم الصحفية أم عن شهادة يتوظفون بها؟ وبالمقابل: هل تعدُّ أقسامُ الإعلام - الصحافة تحديداً - خريجيها ليكونوا صحفيين أم موظفين (مع الأخذ بالاعتبار الرأي المذكور أعلاه لرؤساء ومديري التحرير حول مستوى الخريجين)؟ - طلاب قسم الإعلام لهم هدف واضح، وهو تأهيلهم لسوق العمل في ظروف تنافسية, يحقق النجاح فيها أصحاب المهارات العالية وليس الشهادات المزخرفة. طلاب الإعلام يتهافتون على تنظيم المؤتمرات وإنتاج الأفلام والعمل الصحفي الجاد واكتساب مهارات الإنتاج المتعددة وإتقان البرامج المتقدمة. يواكب ذلك أن تكلفة المعمل الواحد لعشرين طالباً كلّف الجامعة أكثر من مليون ريال من أجهزة وبرامج ومهارات تشغيل وتدريب. والجامعة لم تبخل في تأمين التجهيزات الخاصة بطموحات الطلاب للمنافسة في سوق العمل. اليوم بدأنا نلاحظ ازدياد الطلب على خريجينا من جهات كثيرة في القطاع الخاص والعام. وحيث إننا نلاحظ أن باب التوظيف في مجال الإعلام سبيل لكل من رغب مع بعض المهارات؛ لذا لي رجاء أقدمه لمؤسسات الإعلام الحكومية والخاصة أن تعيد النظر وأن تشترط شهادة الإعلام للعمل في مجالات الإعلام، إضافة إلى امتلاك مهارات تتناسب والوظيفة المعروضة لكي ينتقل أعلامنا من مرحلة الهاوي للإعلام إلى الاحتراف نظرياً وعملياً. ونحن بدورنا كمؤسسات تعليمية سنسعى لتحقيق شروط هذه القطاعات. كما نرجو من جهات التوظيف أن تكون شريكا لنا بالتواصل والتعريف باحتياجاتها حتى نلبيها في منتجاتنا من الخريجين. أخيراً التواصل مع قسم الإعلام بجامعة الملك سعود سوف يمكن الجميع من تقديم أحكام عادلة عن مهارات طلابنا اليوم وليس مستقبلاً. لقد زارنا عدد من عمداء أفضل كليات الإعلام في أمريكا وغيرها, وأدهشهم مستوى الطلاب السعوديين ونضجهم الفكري ومهاراتهم. وقد قدموا لنا تقارير بذلك. *** أقسام الإعلام لا تخرّج صحفيين وإعلاميين.. اللوم يقع عليهم والخلل موجود عندهم هل صحافة إلكترونية تعني وجود موقع للصحيفة على الإنترنت؟ ما الفرق بين الصحفي التقليدي والإلكتروني؟ - مواقع الصحف المطبوعة هي مجرد نسخ إلكترونية وليست صحافة إلكترونية؛ فهي تنشر في الموقع المادة المنشورة في الصحيفة.. بينما الصحافة الإلكترونية لها عملها الخاص بها، والحاصل في الغرب الآن أنه حتى الصحف المطبوعة أصبحت تولي الأهمية للصحف الإلكترونية؛ فالصحفي يكتب مادته للموقع أصلا ثم يتم إعدادها للنشر في النسخة الورقية، ولذلك فإذا بحثت عن أكثر موقع إخباري زيارة في السعودية لا تجد أنه موقع لصحيفة تصدرها مؤسسة صحفية عريقة تملك المال والكوادر، بل موقع إخباري إلكتروني عادي. المشكلة أن الصحفيين الإلكترونيين ليسوا صحفيين، هم لديهم إيجابية وهي الفَهْم الجيد للإنترنت وبيئته؛ فالواحد منهم يعرف ماذا تريد شريحة الإنترنت، لكن السلبية أن لديه نقصا مهنيا؛ فهو لا يعرف الفرق بين الخبر والرأي مثلا، لكن بالمقابل الصحفي التقليدي المحترف الذي لا يفهم بيئة الإنترنت يكون لديه سلبية؛ ولذلك فهناك صحفيون أتوا من الصحافة المطبوعة ووضعوا صحفا إلكترونية لكنهم غير فاهمين لأجواء ومنطق الإنترنت؛ وبالتالي قدم لك صحيفة مطبوعة على الإنترنت، وهذا خطأ، ولن تجد صحيفته رواجاً. هل تنطبق تصريحات مردوخ حول نهاية الإعلام التقليدي على واقعنا المحلي؟ - المنطقة الغربية مختلفة؛ لأن نمو التقنية مختلف، البنية التحتية، وقدرة الناس على استخدام الإنترنت؛ وبالتالي فالتعاملات الكلاسيكية ومن بينها الإعلام ستبقى مستمرة لفترة أطول من غيرها، ولو سألت أحدهم سيقول لك إنه يفضل قراءة الصحف الورقية، لكنه في الحقيقة يقضي أغلب الوقت أمام الحاسب والجوال وغيرها من تقنيات، تبقى مسألة قراءة الصحف وهذه ستتغير مع الوقت. لكن لاحظ أن وتيرة النمو سريعة في تقنيات الاتصال بالإنترنت التي تغيرت تغيرا كبيرا نحو الأفضل عبر سنتين فقط، في كل أنحاء العالم الجيل الجديد هو الذي يقود التحوُّل لأن جزءا من استخدام التقنية هو مسألة العادة، والجيل الصغير تعوّد على استخدام التقنية في حاسوبه وهاتفه المحمول الذي يدعم الإنترنت، وذاكرته المحمولة، بل إنَّ بعضهم يشاهد التلفزيون وهو يتصفح الإنترنت، بخلاف الجيل القديم الذي لم يتعود على قراءة كتاب أو صحيفة من خلال الحاسوب وشبكة الإنترنت.. بالنسبة إلينا جيلنا الجديد أقل اقترابا من التقنية مقارنة بالأجيال الجديدة في العالم؛ حيث يجد الطلاب هناك كتبهم الدراسية ومناهجهم على الإنترنت ومن خلال الحاسوب؛ ولذلك نجد الحكومات هناك يحرصون على توفير «لاب توب» لكل طالب يستمر معه لثلاث سنوات تقريبا قبل أن يستبدله؛ لأنه أقل تكلفة من طباعة الكتب المدرسية وتوزيعها وتحديث معلوماتها؛ وبالتالي فالطفل هناك ترتبط حياته كلها بالحاسب والإنترنت، ومن بين تفاصيل هذه الحياة «الإعلام». كما أن الصحافة الورقية تختلف عن الإلكترونية في الطباعة والتوزيع، وهذه مكلفة جدا؛ وبالتالي المؤسسات الصحفية نفسها تجد من الأفضل لها التحوُّل إلى الصحافة الإلكترونية. ماذا عن هامش الحرية المتقدم إلكترونيا مقارنة بالصحافة الورقية، ألا يشكِّل ذلك فرقا؟ - هذه ميزة للإلكترونية تجذب القراء، لكن الورقية لها ميزة المصداقية والموثوقية والنخبوية أيضا؛ ولذلك فكثير من مرتادي الإنترنت يحرصون على الرجوع إلى الصحافة الرسمية لمعرفة وجهات النظر الأكثر أهمية، ومن بينها وجهة نظر الدولة التي تعيش فيها. * وماذا عن ملامسة هموم الناس؟ - أرى أن الصحافة الرسمية بعيدة تماما عن رواية هموم الناس، وهي تعيش ضمن الأطر القديمة، ولا تفهم ما حدث من تحول، الإنسان الآن صار يقضي وقته عبر الإنترنت في قراءة قصة إنسان آخر، بينما صحافتنا تعيش قصة النخبة والمسؤولين، وهي مهمة ولا شك، ولكن القارئ يريد معرفة قصص الناس الذين يشبهونه؛ لأنها قصته وقصة همومه، ولو كنت مسؤولا في صحافتنا لجعلت للقراء صفحات وأجعلها بالبريد الإلكتروني وأبوبها وأضع لها عناوين، يحكي فيها الناس قصصهم كما يحكونها في مدوناتهم ومواقعهم عن قصصهم اليومية ومعاناتهم بأسلوبهم البسيط. الإعلام الورقي أيضاً بعيد عن الشباب؛ فأكثر الصحفيين في سن الثلاثين تقريبا، وهم بعيدون عن جيل الشباب بحدود 18 سنة تقريبا، حتى الإنسان العادي وليس الصحفي بعيد عن هذا الجيل ولا يعرف ما همومهم واهتماماتهم، بل ينتقدونهم في اهتماماتهم بالتقنية والألعاب والأغاني وغيرها، فأنت لا تجد ولا مطبوعة واحدة تخاطب هذا الجيل واهتماماته أبداً. أيضا لا يوجد صحفيون قادرون على ملامسة ما يهم الناس البسطاء؛ ففي المنتديات مثلا تجد مواضيع تشرح لك كيف تزين البيت بأبسط الأشياء، لكن لو كلفت صحفيا بكتابة هذا الموضوع لذهب إلى مهندسي ديكور ومتخصصين وما إلى ذلك، الأفلام كذلك، الصيد.. وما إلى ذلك من اهتمامات يجدها القارئ في الإنترنت ولا يجدها في الصحافة المطبوعة. على من يقع اللوم في ندرة الصحفيين الشباب المحترفين؟ - الإشكالية أن أقسام الإعلام لا تخرّج صحفيين وإعلاميين، وقد ناقشت أساتذة الأقسام وهم أساتذتي وأقدرهم ووجهة نظرهم هي أن هذه ليست مهمة الجامعات بتخريج الصحفيين، بل مهمتها إعطاء الإطار النظري والمبادئ، وتأتي مهمة المؤسسات الصحفية في تدريبهم وصقلهم، بينما المؤسسات الصحفية تقول أنا أريد صحفيين جاهزين حتى أعطيهم وظائف ورواتب. هناك حلقة مفقودة بين الجامعات والمؤسسات وهي التدريب، وقد شاهدت الحل في أمريكا؛ حيث إن الطالب منذ القسم الثالث يكون قد وقع عقدا مع إحدى الصحف؛ لأنه بدأ التدريب منذ السنة الأولى، حيث أقسام الصحافة هناك كمؤسسات صحفية مصغرة فيها مكاتب للطلاب مجهزة بالتقنيات المساعدة، والصحف الجامعية في أمريكا تفتخر بعضها بأنها أقوى من بعض الصحف المحلية. وبالتالي فاللوم عندنا يقع على الجامعات وأقسام الإعلام، والخلل موجود عندهم؛ لأن إعداد الإعلاميين على عاتقهم وليس على عاتق المؤسسات، وهذا الجانب فيه تقصير كبير في أقسام الإعلام كافة، ليس في السعودية فقط بل في العالم العربي ككل.