يحكى أن إحدى الشركات العالمية في مطلع العقد الماضي قد واجهت تحديات أثناء رقمنة هيكلها الإداري، أبرزها عزلة الوحدات التنظيمية عن المظلة المؤسسية، ورفض بعض مديري الوحدات تلك للتغيير، معتبرين وحداتهم ساحة خاصة يتصرفون فيها وفق رؤاهم المحدودة. لحسن الحظ، تمكنت الشركة من تجاوز الأزمة عبر إشراك أولئك المديرين في إستراتيجية التغيير، وتعاون أولئك المديرون في ذلك، وإدراكهم لأهمية التغيير، ما مكنها من بلوغ النضج الرقمي، وتحولت تجربتها إلى حالة دراسية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT. لكن، هل ستكون كل النهايات سعيدة كهاته الحالة؟ خاصة في ظل تصاعد التوجه نحو الحوكمة المركزية بفعل التقنيات المزعزعة كالأتمتة المتقدمة والذكاء الاصطناعي، حيث تواجه المؤسسات خيارين إحداهما مرعب والآخر سعيد: إما الاستغناء عن العنصر البشري أو إعادة دمجه بطريقة تحفظ التوازن المطلوب. في واقعنا، ومع ازدياد الحديث عن الإستراتيجيات والمبادرات والتحول والابتكار، يسعى بعض المديرين الصغار إلى خلق بصمة شخصية تتجاوز المهام الموكلة إليهم، مقلدين فيها كبار القيادات في المؤسسة، ما قد يثقل كاهل الموظفين في وحداتهم التي يديرونها بمهام غير ضرورية (وأحياناً ضارة) ويجعل إدارته في خط موازٍ أو حتى معزول عن إستراتيجية السياق العام، مهددًا بضربه وفريقه خارج اللعبة الوظيفية لصالح التقنيات الجديدة، فما تلك التقنية بذلك المدير الذي يعاني من حس استحقاق عالٍ ويلح في تحقيق إنجازات شخصية على حساب العمل، وما هي بالتي ستخرج عن طوع التعليمات المنوطة لها رغبة منها في الشهرة والتغطيات الإعلامية. تتمثل المشكلة في أنماط تفكير وسلوك خاطئة لدى بعض صغار المديرين، إذ يحاولون تقليد القيادات العليا -كما ذكر آنفاً- بإسقاط مفاهيم مؤسسية كبرى على النواة الإدارية الصغيرة التي يديرونها. فمثلاً، يتحدث أحدهم عن "كفاءة الإنفاق" للتضييق على الموظفين في المياه والمناديل والأغراض المكتبية البسيطة، أو عن "التحول الرقمي" و"العمل عن بعد" لاستخدام تطبيقات التواصل لإزعاج الموظفين خارج أوقات العمل الرسمي، أو "ترتيب ورش عمل دورية" لعقد اجتماعات مطولة وغير ضرورية تشذّ عن الخط العام، أو "مكافحة الفساد" لتصفية حسابات شخصية، متجاهلاً في كل ذلك التعليمات الرسمية والإطار العام للإستراتيجية المؤسسية المقننة والمدروسة. الإدارات الصغيرة ليست مركز تخطيط، بل جزءاً من منظومة تقودها الإدارة العليا. لذا، ينبغي على الموارد البشرية ضبط الأداء الإداري لصغار المديرين أولئك وتوجيهه، حمايةً للإستراتيجيات من التآكل والتشتت وضياع البوصلة، وتحقيقًا للتكامل المؤسسي في زمن الحوكمة الذكية، ولنتذكر أن أحد أسباب تسرب الكفاءات من المؤسسات يعود بشكل رئيس لسلوك المدير المباشر الذي قد يلحق طموحه الشخصي الضرر بمستهدفات التغيير وبالموظفين وبالوحدة التنظيمية التي يديرها.