المدن الذكية من أبرز تجلّيات التطوّر الحضري المعاصر، إذ تُسخَّر التكنولوجيا لتحسين جودة الحياة، وتعزيز كفاءة تقديم الخدمات، مع المحافظة على الموارد الطبيعية وخلق بيئات عمرانية مستدامة، وهي تتمحور حول مفهوم الدمج المتكامل بين البنية التحتية الرقمية والأنظمة الذكية في مختلف جوانب الحياة، والقدرة على الاستجابة السريعة للتحديات الناتجة عن التوسّع السكاني والتحولات الاقتصادية، عبر أدوات تعتمد على البيانات والتحليل والاستشراف. والتحوّل إلى المدن الذكية هو أولوية عالمية لتحسين الخدمات، وخفض التكاليف، وتحقيق التوازن البيئي، ومؤشّر IMD للمدن الذكية أحد أهم المقاييس الدولية المعنية بتصنيف أداء المدن حول العالم وفقاً لقدرتها على تبنّي الحلول الذكية وتأثيرها المباشر على جودة حياة سكانها، حيث يستند إلى تقييماتٍ ومعاييرَ تجعله مرآة حقيقية لتجربة التحوّل الذكي. وفي هذا السياق، المملكة لها إنجاز مهم بدخول ست مدن سعودية إلى قائمة مؤشّر IMD العالمي للمدن الذكية لعام 2025، في خطوةٍ تعكس حجم التحوّل الرقمي والنهج التطويري الذي تتبنّاه المملكة في إطار رؤيتها الطموحة 2030. والمدن التي تم إدراجها هي: الرياض، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة، وجدة، والخُبر، والعُلا، ما يجعل المملكة الدولة العربية الوحيدة التي تضم هذا العدد من المدن في المؤشّر للعام الحالي. ولا شكّ أن ذلك تتويج لجهود الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، التي قادت عدداً من المبادرات النوعية بالتعاون مع الجهات الحكومية المختلفة، لبناء بنية رقمية متكاملة تسهم في رفع كفاءة الخدمات، وتحقيق استدامة المدن. إضافةً إلى أن إدراج مدينة العُلا –التي تمثّل نموذجاً فريداً يجمع بين الحداثة والحفاظ على التراث– في المؤشّر العالمي، يؤكّد نجاح الرؤية في تحقيق التوازن بين التنمية الذكية وصون الهوية الثقافية. فالعُلا، التي تُعد من أقدم المدن المأهولة في شبه الجزيرة العربية، تمثّل اليوم أحد أبرز النماذج لمدن ذكية تجمع بين التراث والاستدامة والتكنولوجيا في قالب عمراني فريد، ويعكس هذا التوجّه حرص المملكة على أن يكون التحوّل الذكي شاملاً ومتكاملاً لا يستثني المناطق التاريخية، بل يعزّز من استثمارها وتحويلها إلى بيئات عصرية مفعمة بالحياة. هذا الإنجاز انعكاس لرؤية وطنية تُركّز على جودة الحياة، وتنافسيّة المدن، وكفاءة الحوكمة، وهي عوامل تفتح الباب أمام فرص استثمارية وتنموية واعدة، ومن المؤكّد أن استمرار هذا الزخم سيسهم في ترسيخ مكانة السعودية كمركز إقليمي رائد في الابتكار الحضري، وقوّة ناعمة مؤثّرة في مسار التحوّلات العالمية نحو مدنٍ أكثرَ ذكاءً وإنسانيةً.