رعت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) منذ إنشائها عام 2019م في أن تكون الممكن الرئيس لأجندة المدن الذكية في المملكة بوصفها المرجع الوطني للبيانات والذكاء الاصطناعي في كل ما يتعلق بهما من تنظيم وتطوير وتعامل كما نص تنظيمها، إضافة إلى جهودها المتمثلة في إطلاق العنان لقيمة البيانات كأصول وطنية من خلال إنشاء سياسات ولوائح وتنفيذ مختلف المبادرات المتعلقة بالبيانات والتحليلات والذكاء الاصطناعي. يأتي ذلك في الوقت الذي أطلقت فيه المملكة العديد من برامج رؤية المملكة 2030 التي تتناول في مستهدفاتها جوانب مختلفة من التحّول الحضري في مجال تطوير المدن الذكية، كما توقع خبراء المدن الذكية أن ينمو سوق تقنيات هذه المدن في المملكة بما يقارب من 19.6% تراكمي سنويًا بين عامي 2020م و 2027م، وأن تبلغ مساهمة المدن الذكية في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة نحو23 مليار ريال بحلول عام 2025م في ظل توقع تزايد الوفورات في التكاليف الناتجة عن عمليات نشر المدن الذكية على مستوى العالم إلى (249) مليار دولار بحلول عام 2028م. ووفقًا لتوقعات الهجرة الحضرية في العالم الصادرة عن الأممالمتحدة فإن عدد سكان المناطق الحضرية في العالم سيصل إلى 68 % بحلول عام 2050م، ونتيجة لذلك ازداد الإنفاق العالمي على تقنيات المدن الذكية، كما توقع تقرير صادر عن شركة ماكينزي أن يصل الإنفاق على المدن الذكية إلى 1.2 تريليون دولار بحلول عام 2025، وقد يرتفع إلى 2.1 تريليون دولا بحلول عام 2030، ويشمل هذا الإنفاق الاستثمارات في التقنيات والبنية التحتية للمدن الذكية، مثل إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة. وتقول التقارير السكانية أن الهجرة من الأرياف إلى المدن يمكن أن تسهم بنحو 2.5 مليار شخص إضافي في المناطق الحضرية بحلول عام 2050، وهذا يؤكد بوضوح أن المدن تُولِّد أكثر من 80% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتعد المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي العالمي، وتستهلك ثلثي الاستهلاك العالمي للطاقة، بل تمثل أكثر من 70% من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. إضافة إلى ذلك توقع مختصون في الذكاء الاصطناعي أن تنمو السوق العالمية لبرمجيات وأجهزة وخدمات المدن الذكية إلى (1.4) تريليون دولار عام 2030 حيث يمكن أن تساعد تطبيقات المدن الذكية المدن في إحراز تقدم معتدل أو كبير بنحو 70% من أهداف التنمية المستدامة وفي تحسين بعض مؤشرات جودة الحياة بنسبة تتراوح من 10% إلى 30%، علاوة على تقديم نتائج وآثار إيجابية مثل : تسريع أوقات الاستجابة للطوارئ بنسبة تتراوح من 20% إلى 35%، وخفض متوسط التنقل بنسبة تتراوح من 15% إلى 20%، وخفض عبء المرض بنسبة تتراوح من 8% إلى 15%، وخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة تتراوح من 10% إلى 15%. وإزاء هذه التحولات التنموية اهتمت "سدايا" بتنظيم المنتدى العالمي للمدن الذكية 2024 تحت شعار "حياة أجود" خلال يومي 12 و13 فبراير الجاري وسط حضور دولي ومحلي كبير يجمع نخبة من خبراء العالم في مجال بناء المدن الذكية والذكاء الاصطناعي في مدينة الرياض من أجل بحث موضوعات مهمة تتعلق بمستقبل هذه المدن وأثرها على المجتمعات البشرية بهدف تشكيل رؤية طموحة لمستقبل المدن باستخدام الحلول الذكية، ورسم قواعد أساسية تدعم خطط تطوير المدن لتحقيق تنمية حضرية مستدامة بما يعزز جودة الحياة. وسيكون المنتدى بمثابة نافذة دولية يستعرض من خلاله الخبراء والمتخصصون في التخطيط العمراني والتقنيون من 40 دولة أحدث ما توصلت إليه مشروعات بناء المدن الذكية عالميًا ومنها المملكة في ضوء رؤية السعودية 2030 بجانب جهود المملكة في دعم أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030، ناهيك عن التطرق إلى دعم جهود الحكومات حول العالم في تبني نماذج مبتكرة لحلول ذكية تساهم في رفع مستوى الخدمات والسلامة العامة بما يعزز الاستدامة البيئية ليكون الإنسان فيها محور التنمية، وتحفيز رجال الأعمال من مختلف دول العالم على الاستثمار في بناء حلول ذكية تدعم الابتكار وتحقق التوازن بين متطلبات الإنسان وازدهار اقتصاد المدن. وبالنظر إلى أهمية البيانات والذكاء الاصطناعي في بناء المدن الذكية فإن الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا" قامت من خلال أجهزتها: مكتب إدارة البيانات الوطنية (NDMO) ومركز المعلومات الوطني (NIC) والمركز الوطني للذكاء الاصطناعي (NCAI)، بدور فعال في تطوير المدن الذكية في المملكة، وذلك في ظل ما تجده من دعم وتوجيه مستمرّين من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس إدارة الهيئة لتضطلع بدورها المحوري. وعليه عمل مركز عمليات الرياض الذكية (Smart ROC) كنقطة مركزية تستخدم البيانات وتقنيات الذكاء الاصطناعي لرصد المؤشرات التشغيلية وتحليلها والتنبؤ بها في مختلف القطاعات في الرياض، بهدف معالجة تحديات المدينة، وتحسين جودة الحياة، والبنية التحتية والخدمات الحضرية، بينما تعمل المنصة الوطنية للمدن الذكية (Smart C) كنواة وأساس لجميع مبادرات المدن الذكية؛ لتوظيف حلول ذكية وفعالة للتعامل باستباقية لتحقيق عدد من الأهداف منها: تحسين المشهد الحضري، وخطط توسع الخدمات، وتخفيف الازدحام المروري وتقليل الحوادث المرورية الخطرة كما ساهم المركز في رفع مستوى السلامة على الطرق وخفض معدل ضحايا الحوادث من خلال تحديد مناطق الخطر، منها: تحليل توزيع الحوادث في المملكة لدعم شبكة الأمان للطرق وتقليل معدلات الإصابات والأضرار في الممتلكات العامة والخاصة لزيادة كفاءة التخطيط وتخصيص الموارد. وطوّرت "سدايا" خوارزميات ونماذج لكشف مظاهر التشوه البصري بشكل آلي ومستمر؛ بهدف رفع مستوى تقديم الخدمات البلدية والسكنية، وتحقيق الاستدامة الحضرية في مناطق المملكة كافة ومنها مدينة الرياض، إضافة إلى رصد مستويات المسطحات الخضراء فيها حيث طورت خوارزميات ونماذج للكشف عن مستوى التشجير وزيادة تغطية المساحات الخضراء للفرد، وبلغت نسبة زيادة حصة الفرد من المساحات الخضراء 9 % ، وقام مكتب إدارة البيانات الوطنية بتطوير ونشر تسع سياسات خاصة بالبيانات الأساسية، بما في ذلك البيانات المفتوحة وخصوصية البيانات ومشاركة البيانات لزيادة نضج المنظومة العامة. وتقوم "سدايا" ببناء ورعاية منظومة المدن الذكية لتمكين النمو المستدام، فعلى سبيل المثال شاركت العديد من الشركات الناشئة المحلية والعالمية في برنامج مسرعة المدن الذكية T5 الذي نظمته "سدايا" بالشراكة مع مبادرة Plug and Play لإنشاء فرص أعمال متعلقة بالمدينة الذكية وتسهيل الوصول إلى الأسواق للشركات الناشئة المشاركة، كما نظمت تحدي نيوم للذكاء الاصطناعي الذي ضم أكثر من 100 فريق من 39 جامعة وعرض أكثر من 100 مشروع، وكذلك تحدي "سمارتاثون" للمدن الذكية كجزء من القمة العالمية للذكاء الاصطناعي؛ بهدف تطوير حلول حديثة لتحسين المشهد الحضري سجل فيه أكثر من 16 ألفاً من أكثر من 90 دولة قدموا أكثر من 650 حلاً تنمويًا. وعلى المستوى العالمي حافظت مدينة الرياض على مركزها كثالث أذكى مدينة عربية وفقاً لمؤشر IMD للمدن الذكية بالعالم لعام 2023م، الذي صدر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية، بينما دخل المؤشر هذا العام لأول مرة مكةالمكرمة محتلة الترتيب الرابع وجدة بالترتيب الخامس، والمدينةالمنورة الترتيب السابع.