سعت المملكة العربية السعودية إلى مواكبة التغيرات الحضرية الحاصلة في المدن والعمل على تحويلها إلى مدن ذكية عبر تسخير الجهود والمبادرات لدعم التحول الرقمي وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء لتسهيل حياة الأفراد، إلى جانب تمكين الجهات الحكومية من إدارة المدن الذكية والاستفادة من الخدمات السحابية والبيانات الوطنية في دعم اتخاذ القرار، وقد تكللت هذه الجهود، ودخلت مدينة الخبر كمدينة ذكية للعام الميلادي المنصرم، حيث احتلت الترتيب 99، وذلك بعد إعلان المعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD) عن إدراجها لتصبح بذلك خامس مدينة سعودية تنضم للمدن الذكية مع الرياض ومكة المكرمةوالمدينةالمنورةوجدة، وحسب الدكتورة آمال يحيى الشيخ عضو لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى فذلك يأتي نتيجة الجهود المبذولة والتقدم الذي تشهده المملكة في هذا القطاع الحيوي؛ وفق «رؤية السعودية 2030» لتحقيق تطلعات قيادة البلاد، مشيرةً إلى أن مؤشر المدن الذكية التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD) يعد معياراً مهماً لإبراز مدى جاهزية المدن واستخدامها للتقنيات المتقدمة وجهودها في بناء مجتمعات ذكية ومستدامة، كما يركّز المؤشر على تقييم تطور المدن في مجالات الصحة والسلامة، وفرص العمل والتعليم، والتنقل، والأنشطة الثقافية، والحوكمة، وتحقيق التوازن بين الجوانب الاقتصادية والتقنية والحياة الإنسانية، في وقت تهدف فيه المدن الذكية إلى توظيف التقنيات الرقمية من أجل استخدام أفضل للموارد وتقليل الانبعاثات الكربونية، بالإضافة لجعلها أكثر تفاعلية واستجابة للمواطنين، وجعل الأماكن العامة أكثر تلبية لاحتياجات السكان، ويقدم "(IMD) " مؤشر المدن الذكية كل عام تقرير ويركز بشكل متوازن على الجوانب الاقتصادية والتكنولوجية لتلك المدن من جانب، والأبعاد الإنسانية بما يشمل جودة الحياة والبيئة والشمولية من ناحية أخرى، ويظهر التصنيف كيفية تأثير البنية التحتية والتكنولوجيا المتوفرة في كل مدينة على أدائها وجودة حياة سكانها، وتُعرف المدينة الذكية وفقًا ل (IMD) بأنها مكان حضري يتم فيه تطبيق التكنولوجيا لتعزيز المنافع وتقليل أوجه القصور في التحضر لمواطنيها. وتقول الدكتورة الشيخ إن المدن التي حققت أداءً جيدًا في التصنيف قد طورت مبادرات تعمل على تحسين جودة الحياة لمواطنيها بشكل عام، وركزت مثل هذه المبادرات على تطوير المساحات الخضراء وتوسيع فرص الفعاليات الثقافية والترابط الاجتماعي، واعتمدت المدن الذكية في المملكة على الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء في تعزيز جودة الحياة، ومن أبرز الأمثلة تطوير عدادات كهربائية ذكية، وإنشاء تطبيقات مخصصة لخدمة القطاع الصحي كتطبيقي صحة وطمني، وتوظيف الأساور الذكية لخدمة المعتمرين والحجاج، وإطلاق منصة ناجز لتكون منصة موحدة للخدمات العدلية الإلكترونية، وإنشاء منصة مدرستي التعليمية لتكوين منظومة تعليم موحدة. وأكدت عضو الشورى أن الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) تبذل جهودا كبيرة لتمكين المدن الذكية ودعم الجهود الحكومية نحو التحول الرقمي ومن ذلك المنصة الوطنية للمدن الذكية (Smart C)، والسحابة الحكومية (ديم)، وبنك البيانات الوطني، ومنصة استشراف، ومنصة سواهر، وتطبيق توكلنا، والمنصة الوطنية للعمل الخيري (إحسان)، ونفاذ، وعدًّت الشيخ (المدن الذكية) واحدة من الحلول العصرية التي تواجه موضوع الزيادة السريعة في عدد السكان في المدن نتيجة للهجرة الحضرية إلى المدن، حيث انه من المتوقع أن يصل عدد سكان المناطق الحضرية في العالم إلى 68% بحلول عام 2050م، مما يلقي بظلاله على زيادة الإنفاق العالمي على تقنيات المدن الذكية والاستثمار في التقنيات والبنية التحتية للمدن الذكية، وتطرقت لأهمية للمدن الذكية في معالجة التحديات التنموية مثل الزيادة السكانية، والازدحام المروري، وسرعة الإنترنت، ونبهت على أنها تواجه العديد من التحديات في مقدمتها تحدي الأمن السيبراني الذي تزداد مخاطره مع زيادة ارتباط مكونات المدن الذكية في شبكة معقدة من الأنظمة المترابطة التي تعد ضرورية لعمل الخدمات الذكية، وتشهد حالياً طفرة في استغلال الثغرات الأمنية في عمليات الخدمات الذكية في المدن على نطاق عالمي. تحول المدن السعودية وقالت الشيخ إن هنالك فئتين من المدن السعودية، مدن دخلت ضمن المدن الذكية في العالم وهي (الرياض ومكة المكرمةوالمدينةالمنورةوجدة، والخبر) احتل بعضها مواقع متقدمة على المستويين العربي والعالمي، وهذه المدن لديها تحديات المنافسة لدخول أفضل عشرة مدن في العالم وهذا يتطلب جهد إضافي واما المدن الأخرى فأنها تحتاج الى الكثير من العمل والجهد، وأضافت : إن تحويل المدن السعودية إلى مدن ذكية بمستوى عالمي يتطلب رؤية شاملة تمزج بين الابتكار التكنولوجي، الاستدامة البيئية، والتخطيط الاقتصادي المدروس، هذه الرؤية ترتكز على تبني حلول ذكية في مختلف القطاعات، مع التركيز على توسيع القاعدة الاقتصادية والسياحية للمدينة، ما يضمن توفير فرص عمل جديدة وزيادة جاذبيتها للاستثمار والسياحة. كل ذلك مع تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية وتحسين جودة الحياة للسكان. الموازنة والنقل العصري الجماعي الذكي ولتعزيز القدرة الاقتصادية للمدن السعودية ، أكدت عضو الشورى على أنه يجب على كل مدينة ان تبني موازنة ذكية تُركز على مصادر القوة لكل منها على حده، وقالت إنه من خلال هذه الموازنة، يمكن توجيه الاستثمار نحو القطاعات الواعدة، مثل الطاقة المتجددة والنقل الذكي، مع ضبط النفقات وزيادة الإيرادات، وترى أن تطبيق الموازنة الذكية سيسهم في تعزيز فرص العمل في مشاريع البنية التحتية الذكية، مثل النقل العصري الجماعي، والطاقة المتجددة، ويُسهم أيضًا في جذب الاستثمارات المحلية والدولية، ودعت إلى تطوير نظام نقل ذكي يعتمد على وسائط النقل العام والذي سيقلل من التلوث ويسهم في تخفيف الازدحام المروري، مشيرةً إلى تجارب مثل النقل الذكي في دبي وفي مدينة استكهولم في السويد تُظهر كيف يمكن تحسين حركة المرور وتقديم خدمات مريحة وسريعة للمواطنين، وأكدت الدكتورة الشيخ أن الذكاء الاصطناعي اصبح اللاعب الرئيس في هذا العصر ، وترى أن إدخال حلول الذكاء الاصطناعي لتحسين أداء القطاعات المختلفة سيسهم في تعزيز الكفاءة والجودة لمختلف القطاعات وسيودي لخفض التكاليف وتقديم حلول عصرية متميزة، كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل إدارة المرور، الرعاية الصحية، التعليم، والصناعة ويمكن استخدامه لتحليل البيانات البيئية وتطوير استراتيجيات للتكيف مع التغير المناخي. الابتكار ومشاريع الشباب وقالت عضو الشورى إن تقديم الدعم لمشاريع الابتكار ومشاريع الشباب سيسهم في تحويل الأفكار إلى منتجات اقتصادية، مما يعزز دور المملكة كمركز إقليمي للابتكار، إضافة إلى تبني حلول بيئية مثل استخدام الطاقة الخضراء والاقتصاد الأخضر، الاقتصاد البنفسجي والزراعة الذكية مما سيعزز الامن الغذائي والاقتصادي لمدن المملكة وبالتالي للمملكة بشكل عام من تحقيق الامن الزراعي وبالتالي الامن الغذائي من خلال قطاع الزراعة والتكنولوجيا البيئية اضافة لخلق فرص عمل اضافيه للشباب، والاستثمار في مشاريع الطاقة الذكية مثل الطاقة الشمسية سيُقلل من الاعتماد على الوقود التقليدي، ويوفر تكاليف الطاقة، ويخلق فرص عمل جديدة في مجال الطاقة المتجددة، وهذه المشاريع مناسبة للغالبية العظمى من مدن المملكة اعتمادا على وفرة الطاقة الشمسية التي تتمتع بها المملكة في مناطق شاسعة منها، وهذا يؤهل بعض المدن الذكية لتصبح مدن ذكية رائدة عالميا في اعتمادها على الطاقة النظيفة. من مخلفات الى موارد اقتصادية وترى عضو لجنة حقوق الإنسان الشورًّة أن الإدارة المتكاملة للمخلفات بطرق ذكية لتحقيق "زيرو مخلفات" يمكن أن يكون جزءًا من رؤية أي مدينة كمدينة ذكية مستدامة من خلال استثمار تقنيات إعادة التدوير وتحويل المخلفات إلى موارد كالطاقة الكهربائية والتدفئة او التبريد للمجمعات السكنية كما في مدينة استكهولم في السويد ناهيك عن خفض تكاليف التخلص من هذه النفايات ومعالجتها وأيضا خفض التلوث للهواء والتربة وهذا ينعكس إيجابيا على الصحة العامة وانخفاض تكاليف العلاج نتيجة انخفاض كمية ونوعية الامراض، وأكدت الشيخ أن التعليم الذكي يُعتبر أساسًا لتأهيل الأجيال القادمة للعمل في الاقتصاد القائم على التكنولوجيا من خلال إدخال المناهج التكنولوجية وتوفير تعليم تطبيقي، يمكن تجهيز الطلاب للعمل في القطاعات الناشئة مثل الطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي وتظهر تجارب مثل فنلندا وكوريا الجنوبية كيف يمكن أن يُسهم التعليم الذكي في تحسين مستوى الطلاب وتهيئتهم لسوق العمل، كما أن تشجيع البحث العلمي التطبيقي يعزز من تطوير القطاعات الاقتصادية المختلفة، مثل السياحة، الصناعة، والخدمات، و دعم مراكز الأبحاث يمكن أن يساهم في تحسين أداء هذه القطاعات، وخلق فرص عمل جديدة، وتعزيز جاذبية المدن للمستثمرين، وترى عضو الشورى أن تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والجوانب الإنسانية مثل الصحة، البيئة، والرفاه النفسي للسكان هو مفتاح نجاح أي مدينة ذكية، و مثال على ذلك كوبنهاجن، حيث يُعتمد على تحقيق استدامة اقتصادية متوازنة مع تحسين جودة الحياة. الشراكة ومنظمات المجتمع المدني وطالبت الدكتورة آمال الشيخ بتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص ومنظمات المجتمع المدني والمجالس المحلية للمدن وقالت إنه من خلال التعاون بين القطاع الحكومي والشركات الخاصة والمجتمع المحلي ممثل بمنظمات المجتمع المدني، وذلك لتسريع تنفيذ المشاريع الكبيرة، وتحسين كفاءة الخدمات، وزيادة التمويل المتاح لتطوير البنية التحتية، وقالت" ان تحويل المدن السعودية إلى مدنن ذكية بمستوى المدن العشرة الأولى في العالم يتطلب رؤية وإدارة متكاملة تجمع بين التكنولوجيا، الابتكار، والاستدامة، مع التركيز على تطوير البنية التحتية الذكية، وتنويع قاعدة الاقتصاد والسياحة، ودعم الابتكار ومشاريع الشباب" إضافة إلى التوازن بين التنمية الاقتصادية والبيئية والاجتماعية من خلال تبني سياسات ذكية، وتطبيق الموازنة الذكية، وتوسيع قاعدة المنتج السياحي، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، يمكن من خلالها أن تصبح جميع المدن السعودية مدن ذكية متقدمة على المستوى العالمي.