كثيرة هي المفردات المستحدثة والدارجة مؤخرًا على لسان السياسيين والاقتصاديين والمحللين والمفكرين والصحفيين وحتى بين العوام، التي تثير حفيظتي واستفزازي، و»الفرص الضائعة» أكثرها استفزازًا، إذ بات يسهُل على المرء منّا رثاء الحظ والبكاء على أطلال الفرص التي فاتتنا، فنعلّق فشلنا على شماعة "الفرص الضائعة"، وكأنها كائنات خرافية مرت أمامنا كلمح البصر ثم اختفت إلى الأبد، لا نملك أمامها سوى التنهيدة. لكن الواقع، كما علّمتنا الحياة، وكما تقول الوقائع لا الروايات، شيء آخر تمامًا. إن الفرص لا تُفقد، بل تُفلت، هناك فرق كبير؛ إذ أن الفرص لا تختفي من تلقاء نفسها، بل لأن البعض لا يعرف كيف يتعامل معها، كيف يراها في وقتها، أو كيف يقتنصها قبل أن تُغلق الأبواب، والعالم لا يضيق بالفرص، بل يضيق بأولئك الذين يفتقدون البصيرة والجرأة؛ ومن لا يرى الفرص، غالبًا لا يريد أن يتعب في البحث عنها. كم من مشروع بدأ بفكرة بدائية، وُصفت بالجنون في بداياتها، لكنها اليوم تقود العالم وتعيد تشكيل اقتصاده؟ لم تكن تلك الأفكار "فرصًا ضائعة" لغيرهم، بل ببساطة مرّت أمام كثيرين، لكنهم لم يعطوها نظرة ثانية، بينما اقتنصها واحد فقط، كان يعرف ماذا يفعل بها، حتى لو بدا للآخرين أنه يراهن على سراب. وعليه، لا يمكن أن نبني نجاحنا على الحظ، ولا فشلنا على سوء الطالع، بل هناك دائمًا من يرى الزوايا التي غفل عنها الآخرون، ومن يقرأ ما بين سطور الفوضى، ويعرف كيف يحوّل الاضطراب إلى نقطة انطلاق، وهذا هو الفرق بين من يرى في الأزمة تهديداً، ومن يراها فرصة. وفي السياسة، كما في الاقتصاد، وحتى في العلاقات الشخصية، القاعدة ذاتها تنطبق: من لا يعرف كيف يلتقط الفرص، لا يلومنّ الحياة على قسوتها، فالحياة ليست ظالمة، بل نحن أحيانًا من نظلم أنفسنا عندما ننتظر أن تأتي الفرصة إلينا على طبق من ذهب، بدلًا من أن نكون نحن من يصنعها أو يطاردها حتى آخر الشوط. نعم، هناك من يصنع فرصته من بين الركام، وهناك من يقف على جانب الطريق، يتساءل: "لماذا لا يأتي دوري؟" والجواب دائمًا في الداخل، لا في الخارج. فالفرص ليست نادرة، إنما الإدراك هو النادر، ومن لا يعرف كيف يلتقطها، لا يحق له أن يتحدث عن ضياعها.