في عام 1985، سجّلت المملكة العربية السعودية أول حضور لها في سجل الفضاء العالمي، عندما صعد الأمير سلطان بن سلمان كأول رائد فضاء عربي ومسلم على متن مكوك «ديسكفري». تلك الرحلة لم تكن مجرد إنجاز فردي، بل شكلت أساسًا لإلهام جيل كامل من السعوديين، لتولد لاحقًا رؤية واضحة: إن الفضاء ليس حلمًا بعيدًا، بل مجال يمكن للمملكة أن تصبح فيه من الرواد، ومع إطلاق رؤية المملكة 2030، عادت الطموحات الفضائية بزخم مختلف، مدفوعًا بالإرادة، والاستثمار، والخطط الاستراتيجية. خطوات ثابتة في الأعوام الأخيرة، شهدت المملكة قفزات كبيرة في مجال الفضاء، حيث ركزت المملكة على تطوير بنية تحتية قوية في هذا المجال، وتعزيز قدراتها العلمية والتقنية، بما يتماشى مع رؤية 2030 التي تهدف إلى جعل السعودية من بين أكبر الدول المستثمرة في قطاع الفضاء، تعتبر هذه المبادرات جزءًا من تحقيق المملكة لأهدافها في تعزيز الابتكار وتوسيع مجال الاقتصاد المعرفي، مما يجعلها لاعبا رئيسا في صناعة الفضاء العالمية. الثورة الفضائية تأسست الهيئة السعودية للفضاء في عام 2018 بموجب أمر ملكي، وهي الجهة المسؤولة عن تنظيم وتطوير قطاع الفضاء الوطني. ومنذ ذلك الحين، بدأ القطاع الفضائي في المملكة يشهد تحولًا ملموسًا، مع العمل على استكشاف الفضاء الخارجي وتطوير تقنيات حديثة في هذا المجال. الهيئة لم تقتصر على تعزيز قدرات المملكة في الفضاء فحسب، بل استهدفت أيضًا إتاحة الفرص للمواطنين السعوديين لقيادة المشروعات الفضائية، والتفاعل مع التحديات العالمية. خطة طموحة للابتكار كما أن المملكة تعمل على تنفيذ العديد من المبادرات التي تسهم في رفع مستوى الوعي الوطني حول أهمية الفضاء، وقد تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية للفضاء في ديسمبر 2022، وهي وثيقة شاملة تهدف إلى تعزيز حضور المملكة في هذا القطاع الحيوي. الاستراتيجية تشمل أهدافًا عدة، من أبرزها تطوير بنية تحتية للفضاء، ودعم الابتكار في هذا المجال، وزيادة الاستثمار في الأقمار الصناعية، بالإضافة إلى تدريب الكوادر البشرية المؤهلة، كل هذه العناصر تعمل معًا لتحقيق أهداف المملكة الفضائية المستقبلية، والتي تتضمن تطوير علوم الفضاء، ودعم التوجهات الاقتصادية، واستكشاف الآفاق العلمية والتكنولوجية المتقدمة. تمكين المرأة والشباب في مايو 2023، حدثت قفزة نوعية عندما أرسلت المملكة رائدي الفضاء السعوديين ريانة برناوي وعلي القرني إلى محطة الفضاء الدولية. وقد أثارت هذه المهمة اهتمامًا عالميًا، حيث تمثل خطوة مهمة نحو تمكين المرأة السعودية وتعزيز دورها في المجالات العلمية الدقيقة. ريانة برناوي دخلت التاريخ كأول امرأة سعودية تصل إلى الفضاء، وأدت خلالها تجارب علمية متقدمة في مجال الطب الحيوي. أسهمت هذه الرحلة في تحفيز العديد من الشباب السعوديين على الالتحاق بمجال الفضاء، وتقديم أبحاث علمية مبتكرة. إشراقة جديدة في السماء هذه المهمة لم تكن مجرد مغامرة فضائية، بل هي تجسيد لرؤية المملكة في تمكين الشباب والمرأة في مختلف المجالات العلمية، كما أنها تُمثل خطوة نحو تعزيز مكانة المملكة على الساحة الدولية في مجال الفضاء، وقد أكدت السعودية على أهمية تسخير الفضاء لخدمة التنمية المستدامة في البلاد، سواء في المجالات العلمية أو الاقتصادية أو البيئية. آفاق جديدة للتعاون الفضائي في هذا السياق، قامت المملكة بتطوير شبكة من الشراكات الدولية مع وكالات فضاء عالمية مثل وكالة ناسا، ووكالة الفضاء الأوروبية، وشركة أكسيوم سبيس الأميركية. هذه الشراكات تلعب دورًا رئيسًا في تسريع تحقيق الأهداف الفضائية السعودية، حيث تتيح فرصة تبادل الخبرات والتقنيات المتقدمة، بالإضافة إلى فتح أبواب جديدة للتعاون في مشروعات فضائية مبتكرة. هذه الاتفاقيات تعكس اهتمام المملكة المتزايد بالانفتاح على العالم وتعزيز التعاون الدولي في مجال الفضاء. الأقمار الصناعية لخدمة التنمية فيما يتعلق بالأقمار الصناعية، فقد أطلقت المملكة عددًا من الأقمار المخصصة لخدمة أهداف تنموية وعلمية. على سبيل المثال، أُطلق القمر الصناعي "شاهين سات" في 2021، وهو قمر يهدف إلى توفير صور عالية الدقة لرصد التغيرات البيئية والمناخية. كما أُطلقت أقمار صناعية أخرى مثل "سعودي سات 5A" و "5B" التي تسهم في الدراسات الجيولوجية والزراعية، تعد هذه الأقمار جزءًا من رؤية المملكة لتحسين إدارة مواردها الطبيعية، وتعزيز قدرتها على التصدي للتحديات البيئية. الفضاء بالنسبة للسعودية ليس مجرد مجال علمي بعيد، بل هو أداة استراتيجية تخدم العديد من الأهداف الوطنية، تُستخدم البيانات الفضائية لتحليل التغيرات البيئية، مما يساعد في بناء سياسات دقيقة بشأن الحفاظ على الموارد الطبيعية، فضلاً عن ذلك، تُستخدم هذه البيانات في مراقبة مشروعات الأمن الغذائي، وهي من أولويات المملكة في السنوات المقبلة، الفضاء يوفر أيضًا حلولًا متقدمة في مجالات مثل الرصد البيئي، وإدارة الكوارث، ودعم الخدمات الصحية، وكل ذلك يتماشى مع استراتيجية التنمية المستدامة. أولوية في استراتيجيات الفضاء تمكين المرأة والشباب في قطاع الفضاء يمثل جزءًا من الرؤية الوطنية التي تركز على تعزيز دور المرأة والشباب في كافة المجالات العلمية، إلى جانب مهمة ريانة برناوي، فإن الهيئة السعودية للفضاء تعمل على تنظيم برامج توعوية وتعليمية في المدارس والجامعات، تهدف إلى إشراك الجيل الجديد في علوم الفضاء، وقد تم إطلاق "مبادرة تعليم الفضاء" بالشراكة مع وزارة التعليم لتوفير محتوى علمي وورش عمل ومسابقات تستهدف الطلاب والطالبات في مختلف مراحل التعليم. الاقتصاد الفضائي الوطني هذه المبادرات تهدف إلى بناء ثقافة علمية متقدمة تسهم في إعداد جيل سعودي قادر على قيادة مشروعات فضائية مستقبلية، ومواجهة التحديات العالمية في هذا المجال، كما أن هذه المبادرات ستسهم في تفعيل التعاون بين المؤسسات التعليمية في المملكة مع الجامعات والمراكز البحثية العالمية، مما يعزز قدرة السعودية على تبني حلول مبتكرة للمشكلات البيئية والتقنية. اقتصاد فضائي واعد أما على صعيد الاقتصاد، فإن المملكة تتطلع إلى بناء اقتصاد فضائي يعزز مكانتها العالمية، هذا الهدف يتضمن تشجيع الاستثمار في الشركات الناشئة التي تعمل في مجالات الفضاء مثل البرمجيات الفضائية، والأقمار الصغيرة، وتحليل البيانات، وقد تم الإعلان عن إنشاء مجمع صناعي وتقني متخصص في مجال الفضاء بالتعاون مع الهيئة الملكية للجبيل وينبع، وهو خطوة كبيرة نحو تأسيس بيئة خصبة لدعم هذا القطاع. وتُقدّر الهيئة السعودية للفضاء أن السوق الفضائي في المملكة سيُسهم بمليارات الريالات في الناتج المحلي الإجمالي في السنوات المقبلة، مما يسهم في دعم الاقتصاد الوطني وخلق آلاف الوظائف في مجالات علمية وتقنية دقيقة، من المتوقع أن تشهد المملكة نموًا ملحوظًا في هذا القطاع، بما يفتح المجال للاستثمار في التكنولوجيا، وتطوير الموارد البشرية، وابتكار حلول جديدة لمختلف التحديات الاقتصادية.