قال الله تعالى: «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا» [الفتح: 1]. بعد هذا الفتح المبين، دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة منتصرًا في العام الثامن للهجرة، محولًا إياها من معقلٍ للوثنية إلى حاضرةٍ للإسلام. وفي هذه اللحظة المفصلية، عيّن النبي عتاب بن أسيد واليًا على مكة، ليكون أول حاكم مسلم لها، وهو في العشرين من عمره. جاء هذا التعيين تأكيدًا على مكانة الشباب في الإسلام، ودورهم الفاعل في بناء الأمة. تعيينه واليًا على مك دخل النبي -عليه الصلاة والسلام- مكة فاتحًا في العشرين من رمضان، وكان أول إجراء له هو تطهير المسجد الحرام من الأصنام، تأكيدًا لانتصار التوحيد. وبعد تثبيت دعائم الإسلام، عيّن عتاب بن أسيد واليًا على مكة، ليكون المسؤول عن إمامة الناس في الصلاة، وإدارة شؤون المدينة، وتطبيق أحكام الإسلام. اختيار النبي لعتاب جاء بحكمة، فقد كان من شباب قريش، مما عزز مكانة الإسلام بين أهلها وساهم في تهدئة النفوس بعد سنوات من الصراع. وكان هذا التعيين خطوة استراتيجية، إذ وضع النبي مسؤولية مكة في يد شاب من قريش، ليجمع بين الكفاءة والشرف القبلي، ويعزز الانتماء للإسلام بين أهل مكة. إدارته لمكة ودوره في نشر الإسلام كان عتاب بن أسيد حاكمًا عادلًا وحكيمًا، فلم يُفرق بين المسلمين الجدد والقدماء، وأقام العدل والمساواة بين الجميع. كما ساعده في مهمته معاذ بن جبل، الذي تولى تعليم الناس تعاليم الإسلام وقراءة القرآن وتوضيح الأحكام الشرعية. عمل عتاب بحزم في تطبيق أحكام الإسلام، لكنه كان رفيقًا بالناس، يعاملهم بروح الإسلام السمحاء، مما جعله محبوبًا بين أهل مكة. وكان يُقيم الصلوات بهم، ويعلمهم أمور دينهم، ويحثهم على الالتزام بتعاليم الإسلام وأداء العبادات. استمراره في الحكم ووفاته ظل عتاب بن أسيد واليًا على مكة حتى وفاته، واستمر في منصبه بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وكان مثالًا للقائد الإسلامي الناجح، الذي استطاع بحكمته وعدله أن يكسب محبة أهل مكة، ويعزز من ترسيخ دعائم الإسلام فيها. توفي عتاب بن أسيد وهو في ريعان شبابه، تاركًا وراءه سيرة عطرة ومثالًا يُحتذى به في القيادة الإسلامية. وقد حزن أهل مكة لفقده، إذ كان قائدًا محبوبًا وعادلًا، لم يُفرق بين غني وفقير، ولا بين كبير وصغير. أهمية تعيينه في التاريخ الإسلامي كان تعيين عتاب بن أسيد واليًا على مكة حدثًا مهمًا في تاريخ الدولة الإسلامية، حيث عكس رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- في اختيار القادة الأكفاء بغض النظر عن أعمارهم. كما كان تعيينه رسالة واضحة إلى قريش بأن الإسلام قد ترسخ في مكة، وأن المدينة أصبحت تحت قيادة مسلمة حكيمة. يُذكر عتاب بن أسيد كأحد القادة الشباب الذين لعبوا دورًا كبيرًا في ترسيخ الحكم الإسلامي في مكة، وكان تعيينه نموذجًا للثقة بالشباب ومنحهم الفرصة لإثبات جدارتهم في قيادة الأمة. المصادر: -كتاب أمراء مكة عبر عصور الاسلام، مكتبة المعارف، عبد الفتاح رواه