في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة، أصبح الذكاء الاصطناعي لاعباً رئيساً في مختلف المجالات، من التعليم إلى الإعلام وحتى الترجمة الآلية. ومع هذا التطور، تبرز تساؤلات حول تأثيره على اللغة العربية، التي تمتلك بنية لغوية معقدة وتراثاً لغوياً غنياً. يشير خبراء اللغويات الحاسوبية إلى أن الذكاء الاصطناعي قد فتح آفاقاً جديدة لدعم العربية، من خلال تقنيات مثل الترجمة الآلية وتحليل النصوص والتعرف على الصوت. وشهدت السنوات الأخيرة قفزات نوعية في تقنيات معالجة اللغة الطبيعية (NLP) الخاصة بالعربية، حيث باتت بعض الأنظمة قادرة على إنتاج نصوص دقيقة، وتحليل المحتوى العربي بشكل أعمق من السابق. ومع ذلك، لا تزال هناك فجوات يجب معالجتها لضمان دقة هذه التقنيات وسلامتها اللغوية. وتعد الترجمة الآلية من أبرز المجالات التي شهدت تطوراً، حيث باتت أدوات مثل: «جوجل ترانسليت» و»ديب إل» توفر ترجمات أكثر دقة مقارنة بالماضي، إلا أن التحدي الأكبر يكمن في فهم السياقات اللغوية والتعابير المجازية، حيث «لا تزال الترجمة الآلية تعاني من بعض القصور، خاصة في فهم المعاني الدقيقة للمفردات العربية التي تحمل أكثر من معنى وفقا للسياق. على سبيل المثال، كلمة «عين» قد تعني العين البشرية أو ينبوع الماء أو الجاسوس، وهو ما يصعب على الخوارزميات فهمه بدقة دون سياق واضح. ورغم هذه التطورات، إلا أن اللغة العربية تواجه تحديات جوهرية في تعاملها مع الذكاء الاصطناعي، من أبرزها.. تعقيد القواعد النحوية والصرفية حيث تعد العربية واحدة من أكثر اللغات تعقيداً من حيث النحو والصرف، ما يجعل تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي عليها أكثر صعوبة مقارنة باللغات الأخرى. تنوع اللهجات العربية تتعدد اللهجات بشكل كبير بين الدول العربية، مما يزيد من صعوبة تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على فهم جميع المستخدمين العرب بنفس الدقة. قلة المحتوى الرقمي العربي فرغم وجود جهود لتعزيز المحتوى العربي، إلا أنه لا يزال يمثل نسبة ضئيلة من المحتوى العالمي على الإنترنت، ما يؤثر على قدرة الذكاء الاصطناعي في التعلم والتطوير. كما يعتبر التأثير على الهوية اللغوية من أبرز التحديات حيث يرى بعض المختصين أن اعتماد التقنيات الحديثة، خاصة في الكتابة والترجمة، قد يؤثر على قدرة الأجيال الجديدة على إتقان اللغة العربية الفصحى، خاصة أنه يزداد الاعتماد على الآلات في التصحيح والتعبير. ورغم هذه التحديات، هناك مبادرات تهدف إلى تحسين استخدام الذكاء الاصطناعي لدعم اللغة العربية، من بينها مشروعات رقمنة المخطوطات العربية، وتطوير أنظمة تعليمية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لمساعدة الطلاب على تحسين مهاراتهم اللغوية. ويظل الذكاء الاصطناعي في النهاية سلاحاً ذا حدين بالنسبة للغة العربية؛ فمن جهة، يوفر أدوات متطورة تساعد في نشر اللغة وتسهيل استخدامها، ومن جهة أخرى، يفرض تحديات تتعلق بجودة المحتوى والهوية اللغوية.